والمذكور مفسر له. ومعنى سؤال هذه الجوارح أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات، والمستعمل لها هو الروح الإنساني، فإن استعملها في الخير استحق الثواب، وإن استعملها في الشر استحق العقاب. وقيل إن الله سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها (ولا تمش في الأرض مرحا) المرح: قيل هو شدة الفرح، وقيل التكبر في المشي، وقيل تجاوز الإنسان قدره. وقيل الخيلاء في المشي، وقيل البطر والأشر وقيل النشاط. والظاهر أن المراد به هنا الخيلاء والفخر، قال الزجاج في تفسير الآية: لا تمش في الأرض مختالا فخورا، وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلا عليها أو على ما هو معتمد عليها تأكيدا وتقريرا، ولقد أحسن من قال:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا * فكم تحتها قوم هم منك أرفع وإن كنت في عز وحرز ومنعة * فكم مات من قوم هم منك أمنع والمرح مصدر وقع حالا: أي ذا مرح، وفى وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد. وقرأ الجمهور " مرحا " بفتح الراء على المصدر. وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل، ثم علل سبحانه هذا النهى فقال (إنك لن تخرق الأرض) يقال خرق الثوب: أي شقه، وخرق الأرض قطعها، والخرق الواسع من الأرض، والمعنى:
أنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها تكبرا، وفيه تهكم بالمختال المتكبر (ولن تبلغ الجبال طولا) أي ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جئتك حاملا لك على الكبر والاختيال. فلا قوة لك حتى تخرق الأرض بالمشي عليها، ولا عظم في بدنك حتى تطاول الجبال. فما الحامل لك على ما أنت فيه؟ وطولا مصدر في موضع الحال أو تمييز أو مفعول له. وقيل المراد بخرق الأرض نقبها لا قطعها بالمسافة. وقال الأزهري: خرقها قطعها.
قال النحاس: وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق، وهو الفتحة الواسعة، ويقال فلان أخرق من فلان: أي أكثر سفرا، والإشارة بقوله (كل ذلك) إلى جميع ما تقدم ذكره من الأوامر والنواهي، أو إلى ما نهى عنه فقط من قوله (ولا تقف - ولا تمش) قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ومسروق " سيئه " على إضافة سئ إلى الضمير ويؤيد هذه القراءة قوله (مكروها) فإن السئ هو المكروه، ويؤيدها أيضا قراءة أبي: كان سيئاته. واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو سيئة على أنها واحدة السيئات، وانتصابها على خبرية كان، ويكون مكروها صفة لسيئة على المعنى، فإنها بمعنى سيئا، أو هو بدل من سيئة، وقيل هو خبر ثان لكان حملا على لفظ كل ورجح أبو علي الفارسي البدل، وقد قيل في توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى. قال الزجاج: والإضافة أحسن، لأن ما تقدم من الآيات فيها سيئ وحسن، فسيئه المكروه ويقوى ذلك التذكير في المكروه، قال:
ومن قرأ بالتنوين جعل " كل ذلك " إحاطة بالمنهي عنه دون الحسن. المعنى: كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروها، قال: والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة وليس بنعت، والمراد بالمكروه عند الله هو الذي يبغضه ولا يرضاه، لا أنه غير مراد مطلقا، لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه. وذكر مطلق الكراهة مع أن في الأشياء المتقدمة ما هو من الكبائر إشعارا بأن مجرد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك. والحاصل أن في الخصال المتقدمة ما هو حسن وهو المأمور به. وما هو مكروه وهو المنهى عنه.
فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة بقوله (كل ذلك) إلى جميع الخصال حسنها ومكروهها، ثم الإخبار بأن ما هو سيئ من هذه الأشياء وهو المنهي عنه مكروه عند الله، وعلى قراءة الإفراد من دون إضافة تكون الإشارة إلى المنهيات، ثم الإخبار عن هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند الله (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) الإشارة