سورة الرعد (8 - 11) قوله (وإن تعجب فعجب قولهم) أي إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث، والله تعالى لا يجوز عليه التعجب، لأنه تغير النفس بشئ تخفى أسبابه وإنما ذكر ذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه. قال الزجاج: أي هذا موضوع عجب أيضا أنهم أنكروا البعث، وقد بين لهم من خلق السماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة، وقيل الآية في منكري الصانع: أي إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بد له من مغير، فهو محل التعجب، والأول أولى لقوله (أإذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) وهذه الجملة في محل رفع على البدلية من قولهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على أنها مقول القول والعجب على الأول كلامهم، وعلى الثاني تكلمهم بذلك، والعامل في " إذا " ما يفيده قوله (أئنا لفي خلق جديد) وهو نبعث أو نعاد، والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد، وتقديم الظرف في قوله (لفي خلق) لتأكيد الإنكار بالبعث، وكذلك تكرير الهمزة في قوله: أئنا. ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة: الأول (أولئك الذين كفروا بربهم) أي أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون في الكفر الكاملون فيه. والثاني (وأولئك الأغلال في أعناقهم) الأغلال: جمع غل، وهو طوق تشد به اليد إلى العنق: أي يغلون بها يوم القيامة. وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق:
والثالث (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، وفى توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) السيئة العقوبة المهلكة، والحسنة:
العافية والسلامة، قالوا هذه المقالة لفرط إنكارهم وشدة تصميمهم وتهالكهم على الكفر، وقيل معنى الآية: أنهم طلبوا العقوبة قبل الحسنة، وهى الإيمان (وقد خلت من قبلهم المثلات) قرأ الجمهور " مثلات " بفتح الميم وضم المثلثة جمع مثلة كسمرة، وهى العقوبة. قال ابن الأنباري: المثلة العقوبة التي تبقى في المعاقب شينا بتغيير بعض خلقه من قولهم: مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وسمل عينيه وبقر بطنه. وقرأ الأعمش بفتح الميم وإسكان المثلثة تخفيفا لثقل الضمة، وفى لغة تميم بضم الميم والمثلثة جميعا، واحدتها على لغتهم: مثلة، بضم الميم وسكون المثلثة مثل غرفة وغرفات. وحكى عن الأعمش في رواية أخرى أنه قرا هذا الحرف بضمها على لغة تميم. والمعنى: أن هؤلاء يستعجلونك بإنزال العقوبة بهم، وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذبين، فما لهم لا يعتبرون بهم ويحذرون من حلول ما حل بهم، والجملة في محل نصب على الحال، وهذا الاستعجال من هؤلاء هو على طريقة الاستهزاء كقولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) الآية (وإن ربك لذو مغفرة) أي لذو تجاوز عظيم (للناس على ظلمهم) أنفسهم باقترافهم الذنوب ووقوعهم في المعاصي إن تابوا عن ذلك، ورجعوا إلى الله سبحانه، والجار