بكسر الراء كدنف ودنف، وأصل الحرض: الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم، حكى ذلك عن أبي عبيدة وغيره، ومنه قول الشاعر:
سرى همي فأمرضني * وقد ما زادني مرضا * كذاك الحب قبل اليوم * مما يورث الحرضا وقيل الحرض: ما دون الموت، وقيل الهرم، وقيل الحارض: البالي الدائر. وقال الفراء: الحارض: الفاسد الجسم والعقل، وكذا الحرض. وقال مؤرج: هو الذائب من الهم، ويدل عليه قول الشاعر:
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني * حتى بليت وحتى شفني السقم ويقال رجل محرض، ومنه قول الشاعر:
طلبته الخيل يوما كاملا * ولو ألفته لأضحى محرضا قال النحاس: وحكى أهل اللغة أحرضه الهم: إذا أسقمه. ورجل حارض: أي أحمق. وقال الأخفش:
الحارض الذاهب. وقال ابن الأنباري: هو الهالك. والأولى تفسير الحرض هنا بغير الموت والهلاك من هذه المعاني المذكورة حتى يكون لقوله (أو تكون من الهالكين) معنى غير معنى الحرض، فالتأسيس أولى من التأكيد، ومعنى من الهالكين: من الميتين، وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) هذه الجملة مستأنفة، كأنه قيل فما قال يعقوب لما قالوا له ما قالوا؟ والبث: ما يرد على الإنسان من الأشياء التي يعظم حزن صاحبها بها حتى لا يقدر على إخفائها.
كذا قال أهل اللغة، وهو مأخوذ من بثثته: أي فرقته، فسميت المصيبة بثا مجازا. قال ذو الرمة:
وقفت على ربع لمية يا فتى * فما زلت أبكى عنده وأخاطبه * وأسقيه حتى كاد مما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه وقد ذكر المفسرون أن الإنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان ذلك حزنا، وإن لم يقدر على كتمه كان ذلك بثا، فالبث على هذا: أعظم الحزن وأصعبه، وقيل البث: الهم، وقيل هو الحاجة، وعلى هذا القول يكون عطف الحزن على البث واضح المعنى. وأما على تفسير البث بالحزن العظيم، فكأنه قال: إنما أشكو حزني العظيم وما دونه من الحزن إلى الله لا إلى غيره من الناس. وقد قرئ " حزني " بضم الحاء وسكون الزاي " وحزني " بفتحهما (وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي أعلم من لطفه وإحسانه وثوابه على المصيبة ما لا تعلمونه أنتم، وقيل أراد علمه بأن يوسف حي، وقيل أراد علمه بأن رؤياه صادقة، وقيل أعلم من إجابة المضطرين إلى الله مالا تعلمون (يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) التحسس بمهملات: طلب الشئ بالحواس، مأخوذ من الحس، أو من الإحساس: أي اذهبوا فتعرفوا خبر يوسف وأخيه وتطلبوه. وقرئ بالجيم، وهو أيضا التطلب (ولا تيأسوا من روح الله) أي لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه. قال الأصمعي: الروح ما يجده الإنسان من نسيم الهواء فيسكن إليه، والتركيب يدل على الحركة والهزة. فكل ما يهتز الإنسان بوجوده ويلتذ به فهو روح وحكى الواحدي عن الأصمعي أيضا أنه قال: الروح الاستراحة من غم القلب. وقال أبو عمرو: الروح الفرج، وقيل الرحمة (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) لكونهم لا يعلمون بقدرة الله سبحانه، وعظيم صنعه، 7 - فتح القدير - 3 -