في (ليضل عن سبيل الله) متعلق بتجادل: أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك. وقرئ ليضل بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله، وجملة (له في الدنيا خزي) مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة. والخزي الذل، وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس. وقيل الخزي الدنيوي هو القتل كما وقع في يوم بدر (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) أي عذاب النار المحرقة، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من العذاب الدنيوي والأخروي، وهو مبتدأ خبره (بما قدمت يداك). والباء للسببية: أي ذلك العذاب النازل بك بسبب ما قدمته يداك من الكفر والمعاصي، وعبر باليد عن جملة البدن لكون مباشرة المعاصي تكون بها في الغالب، ومحل أن وما بعدها في قوله (وأن الله ليس بظلام للعبيد) الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي والأمر أنه سبحانه لا يعذب عباده بغير ذنب. وقد مر الكلام على هذه الآية في آخر آل عمران فلا نعيده (ومن الناس من يعبد الله على حرف) هذا بيان لشقاق فلا أهل الشقاق. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: الحرف الشك، وأصله من حرف الشئ وهو طرفه، مثل حرف الجبل والحائط، فإن القائم عليه غير مستقر والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه، فقيل للشاك في دينه إنه يعبد الله على حرف، لأنه على غير يقين من وعده ووعيده، بخلاف المؤمن لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف، وقيل الحرف الشرط: أي ومن الناس من يعبد الله على شرط، والشرط هو قوله (فإن أصابه خير اطمأن به) أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال، ومعنى اطمأن به ثبت على دينه واستمر على عبادته، أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه (وإن أصابته فتنة) أي شئ يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه (انقلب على وجهه) أي ارتد ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر، ثم بين حاله بعد انقلابه على وجهه فقال (خسر الدنيا والآخرة) أي ذهبا منه وفقدهما، فلاحظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن، ولا في الآخرة من الأجر وما أعده الله للصالحين من عباده. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس والأعرج والزهري وابن أبي إسحاق " خاسرا الدنيا والآخرة " على صيغة اسم الفاعل منصوبا على الحال. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف. والإشارة بقوله " ذلك " إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره (وهو الخسران المبين) أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) أي هذا الذي انقلب على وجهه ورجع إلى الكفر يدعو من دون الله: أي يعبد متجاوزا عبادة الله إلى عبادة الأصنام ما لا يضره إن ترك عبادته، ولا ينفعه إن عبده لكون ذلك المعبود جمادا لا يقدر على ضر ولا نفع، والإشارة بقوله (ذلك) إلى الدعاء المفهوم من الفعل وهو يدعو، واسم الإشارة مبتدأ وخبره (هو الضلال البعيد) أي عن الحق والرشد مستعار من ضلال من سلك غير الطريق فصار بضلاله بعيدا عنها. قال الفراء: البعيد الطويل (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) يدعو بمعنى يقول، والجملة مقررة لما قبلها من كون ذلك الدعاء ضلالا بعيدا. والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال بل هي ضرر بحت لمن يعبدها، لأنه دخل النار بسبب عبادتها، وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي - أو ذلك من باب " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " واللام هي الموطئة للقسم، ومن موصولة أو موصوفة، وضره مبتدأ خبره أقرب، والجملة صلة الموصول. وجملة (لبئس المولى ولبئس العشير) جواب القسم، والمعنى: أنه يقول ذلك الكافر يوم القيامة لمعبوده الذي ضره أقرب من نفعه: لبئس المولى أنت ولبئس العشير. والمولى الناصر، والعشير الصاحب، ومثل ما في هذه الآية قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها * أشطان بئر في لبان الأدهم وقال الزجاج: يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة: أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه