(10 - 16) (قوله ومن الناس من يجادل في الله) أي في شأن الله، كقول من قال: إن الملائكة بنات الله، والمسيح ابن الله، وعزير ابن الله. قيل نزلت في النضر بن الحارث، وقيل في أبى جهل، وقيل هي عامة لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم، وعلى كل حال فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ وإن كان السبب خاصا. ومعنى اللفظ:
ومن الناس فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله، أو صفاته أو شرائعه الواضحة، و (بغير علم) في محل نصب على الحال: أي كائنا بغير علم. قيل والمراد بالعلم هو العلم الضروري، وبالهدى هو العلم النظري الاستدلالي. والأولى حمل العلم على العموم، وحمل الهدى على معناه اللغوي، وهو الإرشاد. والمراد بالكتاب المنير هو القرآن، والمنير النير البين الحجة الواضح البرهان، وهو وإن دخل تحت قوله (بغير علم) فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة، وذلك لكونه لافرد الكامل الفائق على غيره من أفراد العلم. وأما من حمل العلم على الضروري والهدى على الاستدلالي، فقد حمل الكتاب هنا على الدليل السمعي، فتكون الآية متضمنة لنفى الدليل العقلي ضروريا كان أو استدلاليا، ومتضمنة لنفى الدليل النقلي بأقسامه، وما ذكرناه أولى.
قيل والمراد بهذا المجادل في هذه الآية هو المجادل في الآية الأولى، أعني قوله " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد "، وبذلك قال كثير من المفسرين، والتكرير للمبالغة في الذم كما تقول للرجل تذمه وتوبخه أنت فعلت هذا أنت فعلت هذا؟ ويجوز أن يكون التكرير لكونه وصفه في كل آية بزيادة على ما وصفه به في الآية الأخرى، فكأنه قال: ومن الناس من يجادل في الله ويتبع كل شيطان مريد بغير علم (ولا هدى ولا كتاب منير) ليضل عن سبيل الله اه، وقيل الآية الأولى في المقلدين اسم فاعل. والثانية في المقلدين اسم مفعول.
ولا وجه لهذا كما أنه لا وجه لقول من قال: إن الآية الأولى خاصة بإضلال المتبوعين لتابعيهم، والثانية عامة في كل إضلال وجدال، وانتصاب (ثاني عطفه) على الحال من فاعل يجادل، والعطف الجانب، وعطفا الرجل جانباه من يمين وشمال، وفى تفسيره وجهان: الأول أن المراد به من يلوى عنقه مرحا وتكبرا، ذكر معناه الزجاج، قال وهذا يوصف به المتكبر. والمعنى: ومن الناس من يجادل في الله متكبرا. قال المبرد: العطف ما انثنى من العنق والوجه الثاني أن المراد بقوله (ثاني عطفه) الإعراض: أي معرضا عن الذكر، كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى - ولى مستكبرا كأن لم يسمعها - وقوله - لووا رؤوسهم -، وقوله - أعرض ونأى بجانبه -، واللام