وقال المبرد: هو اسم يستعمل مصدرا كالرضا، والعدل فيقع على الواحد والجمع، قال الله سبحانه - أو الطفل الذين لم يظهروا -. قال ابن جرير: هو منصوب على التمييز كقوله - فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا - وفيه بعد، والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور، والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ (ثم لتبلغوا أشدكم) قيل هو علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة له، كأنه قيل: نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا إلى الأشد، وقيل إن ثم زائدة، والتقدير لتبلغوا، وقيل إنه معطوف على نبين، والأشد هو كمال العقل وكمال القوة والتمييز، قيل وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام (ومنكم من يتوفى) يعني قبل بلوغ الأشد، وقرئ " يتوفى " مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور " يتوفى " مبنيا للمفعول (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أي أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل، ولهذا قال سبحانه (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) أي شيئا من الأشياء، أو شيئا من العلم، والمعنى: أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها، لا علم له ولا فهم، ومثله قوله - لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين - وقوله - ومن نعمره ننكسه في الخلق - (وترى الأرض هامدة) هذه حجة أخرى على البعث، فإنه سبحانه احتج بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات، والهامدة اليابسة التي لا تنبت شيئا، قال ابن قتيبة: أي ميتة يابسة كالنار إذا طفئت، وقيل دارسة، والهمود الدروس، ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا * وأرى ثيابك باليات همودا وقيل هي التي ذهب عنها الندى، وقيل هالكة، ومعاني هذه الأقوال متقاربة (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) المراد بالماء هنا المطر، ومعنى اهتزت تحركت، والاهتزاز شدة الحركة، يقال هززت الشئ فاهتز:
أي حركته فتحرك: والمعنى: تحركت بالنبات، لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة، فسماه اهتزازا مجازا. وقال المبرد: المعنى اهتز نباتها فحذف المضاف، واهتزازه شدة حركته، والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض، ومعنى ربت ارتفعت، وقيل انتفخت. والمعنى واحد، وأصله الزيادة، يقال ربا الشئ يربو ربوا إذا زاد ومنه الربا والربوة. وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس " وربأت " أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الرابية، وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف يقال له رابئ ورابئة وربيئة (وأنبتت) أي أخرجت (من كل زوج بهيج) أي من كل صنف حسن ولون مستحسن، والبهجة الحسن، وجملة (ذلك بأن الله هو الحق) مستأنفة، لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق إرادته واقتداره. قال بعد ذلك هذه المقالات، وهى إثبات أنه سبحانه الحق، وأنه المتفرد بإحياء الموتى، وأنه قادر على كل شئ من الأشياء.
والمعنى: أنه المتفرد بهذه الأمور وأنها من شأنه لا يدعي غيره أنه يقدر على شئ منها، فدل سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق، وأن وجود كل موجود مستفاد منه، والحق هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول، وقيل ذو الحق على عباده، وقيل الحق في أفعاله. قال الزجاج: ذلك في موضع رفع: أي الأمر ما وصفه لكم وبين بأن الله هو الحق. قال: ويجوز أن يكون ذلك نصبا، ثم أخبر سبحانه بأن (الساعة آتية) أي في مستقبل الزمان، قيل لا بد من إضمار فعل: أي ولتعلموا أن الساعة آتية (لا ريب فيها) أي لا شك فيها ولا تردد، وجملة (لا ريب فيها) خبر ثان للساعة، أو في محل نصب على الحال. ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال (وأن الله يبعث من في القبور) فيجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وأن ذلك كائن لا محالة.
وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر