سورة الأنبياء الآية (11 - 25) نبه عباده على عظيم نعمته عليهم بقوله (لقد أنزلنا إليكم كتابا) يعني القرآن (فيه ذكركم) صفة لكتابا، والمراد بالذكر هنا الشرف: أي فيه شرفكم كقوله - وإنه لذكر لك ولقومك - وقيل: فيه ذكركم: أي ذكر أمر دينكم، وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب، وقيل فيه حديثكم. قاله مجاهد. وقيل مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم. وقيل فيه العمل بما فيه حياتكم. قاله سهل بن عبد الله. وقيل فيه موعظتكم، والاستفهام في (أفلا تعقلون) للتوبيخ والتقريع. أي أفلا تعقلون أن الأمر كذلك، أو لا تعقلون شيئا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر، ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة، فقال (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) كم في محل نصب على أنها مفعول قصمنا، وهى الخبرية المفيدة للتكثير، والقصم كسر الشئ ودقه، يقال: قصمت ظهر فلان إذا كسرته، واقتصمت سنه إذا انكسرت. والمعنى هنا: الإهلاك والعذاب، وأما الفصم بالفاء فهو الصدع في الشئ من غير بينونة، وجملة " كانت ظالمة " في محل جر صفة لقرية، وفى الكلام مضاف محذوف:
أي وكم قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين: أي كافرين بالله مكذبين بآياته، والظلم في الأصل وضع الشئ في غير موضعه، وهم وضعوا الكفر في موضع الإيمان (وأنشأنا بعدها قوما آخرين) أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاك أهلها قوما ليسوا منهم (فلما أحسوا بأسنا) أي أدركوا أو رأوا عذابنا، وقال الأخفش خافوا وتوقعوا، أو البأس العذاب الشديد (إذا هم منها يركضون) الركض الفرار والهرب والانهزام، وأصله من ركض الرجل الدابة برجليه، يقال ركض الفرس إذا كده بساقيه، ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا، ومنه - اركض برجلك -