أهش بالعصا على أغنامي * من ناعم الأوراك والسنام وقرأ النخعي أهس بالسين المهملة، وهو زجر الغنم، وكذا قرأ عكرمة، وقيل هما لغتان لمعنى واحد (ولى فيها مآرب أخرى) أي حوائج وأحدها مأربة ومأربة ومأربة مثلث الراء كذا، قال ابن الأعرابي وقطرب، ذكر تفصيل منافع العصا، ثم عقبه بالإجمال.
وقد تعرض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء: منها قول بعض العرب: عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي، ليتسع خطوي، وأثب بها النهر، وتؤمنني العثر، وألقى عليها كسائي، فتقيني الحر، وتدفيني من القر، وتدني إلي ما بعد منى، وهى تحمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، قال أعصى بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بني انتهى.
وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين، وذكر فيه أخبارا وأشعارا وفوائد لطيفة ونكتا رشيقة، وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنزته، وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفى المحافل والخطب (قال ألقها يا موسى) هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة (فألقاها) موسى على الأرض (فإذا هي حية تسعى) وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى: أي تمشي بسرعة وخفة، قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها، فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبرا ولم يعقب، فعند ذلك (قال) سبحانه (خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) قال الأخفش والزجاج: التقدير إلى سيرتها، مثل - واختار موسى قومه - قال:
ويجوز أن يكون مصدرا، لأن معنى سنعيدها سنسيرها، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل: أي سائرة، أو بمعنى اسم المفعول: أي مسيرة. والمعنى: سنعيدها بعد أخذك لها إلى حالتها الأولى التي هي العصوية. قيل إنه لما قيل له لا تخف بلغ من عدم الخوف إلى أن كان يدخل يده في فمها ويأخذ بلحيها (واضمم يدك إلى جناحك) قال الفراء والزجاج: جناح الإنسان عضده، وقال قطرب: جناح الإنسان جنبه، وعبر عن الجنب بالجناح لأنه في محل الجناح، وقيل إلى بمعنى مع. أي مع جناحك، وجواب الأمر (تخرج بيضاء) أي تخرج يدك حال كونها بيضاء، ومحل (من غير سوء) النصب على الحال: أي كائنة من غير سوء، والسوء العيب، كنى به عن البرص:
أي تخرج بيضاء ساطعا نورها تضئ بالليل والنهار كضوء الشمس من غير برص، وانتصاب (آية أخرى) على الحال أيضا: أي معجزة أخرى غير العصا. وقال الأخفش: إن آية منتصبة على أنها بدل من بيضاء. قال النحاس وهو قول حسن. وقال الزجاج: المعنى آتيناك أو نؤتيك آية أخرى لأنه لما قال " تخرج بيضاء " دل على أنه قد آتاه آية أخرى، ثم علل سبحانه ذلك بقوله (لنريك من آياتنا الكبرى) قيل والتقدير: فعلنا ذلك لنريك، ومن آياتنا متعلق بمحذوف وقع، حالا والكبرى معناها العظمى، وهو صفة لموصوف محذوف، والتقدير: لنريك من آياتنا الآية الكبرى: أي لنريك بهاتين الآيتين يعني اليد والعصا بعض آياتنا الكبرى، فلا يلزم أن تكون اليد هي الآية الكبرى وحدها حتى تكون أعظم من العصا، فيرد على ذلك أنه لم يكن في اليد إلا تغير اللون فقط بخلاف