الكتاب كما تقدم. وقال الزجاج: اسألوا كل من يذكر بعلم، والبينات: الحجج والبراهين، والزبر: الكتب.
وقد تقدم الكلام على هذا في آل عمران (وأنزلنا إليك الذكر) أي القرآن، ثم بين الغاية المطلوبة من الإنزال فقال (لتبين للناس) جميعا (ما نزل إليهم) في هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد (ولعلهم يتفكرون) أي إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا (أفأمن الذين مكروا السيئات) يحتمل أن تكون السيئات صفة مصدر محذوف: أي مكروا المكرات السيئات، وأن تكون مفعولة للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل: أي عملوا السيئات، أو صفة لمفعول مقدر: أي أفأمن الماكرون العقوبات السيئات، أو على حذف حرف الجر:
أي مكروا بالسيئات (أن يخسف الله بهم الأرض) هو مفعول أمن، أو بدل من مفعوله على القول بأن مفعوله محذوف، وأن السيئات صفة للمحذوف، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، ومكر السيئات: سعيهم في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيذاء أصحابه على وجه الخفية، واحتيالهم في إبطال الإسلام، وكيد أهله (أن يخسف الله بهم) كما خسف بقارون، يقال خسف المكان يخسف خسوفا: ذهب في الأرض: وخسف الله به الأرض خسوفا: أي غاب به فيها، ومنه قوله - فخسفنا به وبداره الأرض - وخسف هو في الأرض وخسف به (أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) به في حال غفلتهم عنه كما فعل بقوم لوط وغيرهم، وقيل يريد يوم بدر فإنهم أهلكوا ذلك اليوم ولم يكن في حسبانهم (أو يأخذهم في تقلبهم).
ذكر المفسرون فيه وجوها، فقيل المراد في أسفارهم ومتاجرهم فإنه سبحانه قادر على أن يهلكهم في السفر كما يهلكهم في الحضر، وهو لا يفوتونه بسبب ضربهم في الأرض، وبعدهم عن الأوطان، وقيل المراد في حال تقلبهم في قضاء أوطارهم بوجود الحيل، فيحول الله بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم، وقيل المراد في حال تقلبهم في الليل على فرشهم، وقيل في حال إقبالهم وإدبارهم، وذهابهم ومجيئهم بالليل والنهار، والقلب بالمعنى الأول مأخوذ من قوله - لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد -، وبالمعنى الثاني مأخوذ من قوله - وقلبوا لك الأمور - (فما هم بمعجزين) أي بفائتين ولا ممتنعين (أو يأخذهم على تخوف) أي حال تخوف وتوقع للبلايا بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه غير غافلين عنه، فهو خلاف ما تقدم من قوله " أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون "، وقيل معنى " على تخوف " على تنقص. قال ابن الأعرابي: أي على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم. قال الواحدي: قال عامة المفسرين: على تخوف قال تنقص: إما بقتل أو بموت، يعنى بنقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذهم الأول فالأول حتى يأتي الأخذ على جميعهم. قال، والتخوف التنقص، يقال هو يتخوف المال: أي يتنقصه. ويأخذ من أطرافه انتهى، يقال تخوفه الدهر وتخونه بالفاء والنون: تنقصه، قال ذو الرمة:
لا بل هو الشوق من دار تخوفها * مرا سحاب ومرا بارح ترب وقال لبيد: * تخوفها نزولي وارتحالي * أي تنقص لحمها وشحمها. قال الهيثم بن عدي:
التخوف بالفاء التنقص لغة لأزد شنودة، وأنشد:
تخوف عدوهم مالي وأهدى * سلاسل في الحلوق لها صليل وقيل على تخوف: على عجل قاله الليث بن سعد، وقيل على تقريع بما قدموه من ذنوبهم، روى ذلك عن ابن عباس، وقيل على تخوف: أن يعاقب ويتجاوز قاله قتادة (فإن ربكم لرءوف رحيم، لا يعاجل، بل يمهل رأفة بكم ورحمة لكم مع استحقاقهم للعقوبة (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ) لما خوف سبحانه الماكرين