التثنية أو جمع مثنية. وقال الزجاج: تثنى بما يقرأ بعدها معها. فعلى القول الأول يكون وجه تسمية الفاتحة مثاني أنها تثنى: أي تكرر في كل صلاة، وعلى القول بأنها السبع الطوال فوجه التسمية إن العبر والأحكام والحدود كررت فيها. وعلى القول بأنها السبعة الأحزاب يكون وجه التسمية هو تكرير ما في القرآن من القصص ونحوها وقد ذهب إلى أن المراد بالسبع المثاني القرآن كله الضحاك وطاوس وأبو مالك، وهو رواية عن ابن عباس واستدلوا بقوله تعالى - كتابا متشابها مثاني - وقيل المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن: وهى الأمر، والنهى، والتبشير، والإنذار، وضرب الأمثال، وتعريف النعم، وأنباء قرون ماضية. قاله زياد بن أبي مريم، ولا يخفى عليك أن تسمية الفاتحة مثاني لا تستلزم نفى تسمية غيرها بهذا الاسم، وقد تقرر أنها المرادة بهذه الآية، فلا يقدح في ذلك صدق وصف المثاني على غيرها (والقرآن العظيم) معطوف على سبعا من المثاني، ويكون من عطف العام على الخاص لأن الفاتحة بعض من القرآن، وكذلك إن أريد بالسبع المثاني السبع الطوال لأنها بعض من القرآن، وأما إذا أريد بها السبعة الأحزاب أو جميع القرآن أو أقسامه، فيكون من باب عطف أحد الوصفين على الآخر، كما قيل في قول الشاعر: * إلى الملك القرم وابن الهمام * ومما يقوى كون السبع المثاني هي الفاتحة أن هذه السورة مكية، وأكثر السبع الطوال مدنية، وكذلك أكثر القرآن وأكثر أقسامه، وظاهر قوله (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) أنه قد تقدم إيتاء السبع على نزول هذه الآية، و " من " في من المثاني للتبعيض أو البيان على اختلاف الأقوال، ذكر معنى ذلك الزجاج فقال: هي للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال، وللبيان إذا أردت الإشباع. ثم لما بين لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنعم به عليه من هذه النعمة الدينية نفره عن اللذات العاجلة الزائلة فقال (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) أي لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمن لها، والأزواج الأصناف، قاله ابن قتيبة. وقال الجوهري: الأزواج القرناء. قال الواحدي: إنما يكون مادا عينيه إلى الشئ إذا أدام النظر نحوه، وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه. وقال بعضهم: معنى الآية لا تحسدن أحدا على ما أوتى من الدنيا، ورد بأن الحسد منهى عنه مطلقا، وإنما قال في هذه السورة لا تمدن بغير واو، لأنه لم يسبقه طلب بخلاف ما في سورة طه، ثم لما نهاه عن الالتفات إلى أموالهم وأمتعتهم نهاه عن الالتفات إليهم فقال (ولا تحزن عليهم) حيث لم يؤمنوا وصمموا على الكفر والعناد، وقيل المعنى: لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك الآخرة. والأول أولى، ثم لما نهاه عن أن يمد عينيه إلى أموال الكفار ولا يحزن عليهم. وكان ذلك يستلزم التهاون بهم وبما معهم أمره أن يتواضع للمؤمنين، فقال (واخفض جناحك للمؤمنين) وخفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب، ومنه قوله سبحانه - واخفض لهما جناح الذل -، وقول الكميت:
خفضت لهم منى جناحي مودة * إلى كنف عطفاه أهل ومرحب وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ فجعل ذلك وصفا لتواضع الإنسان لأتباعه، ويقال فلان خافض الجناح: أي وقور ساكن، والجناحان من ابن آدم جانباه، ومنه - واضمم يدك إلى جناحك -، ومنه قول الشاعر:
وحسبك فتنة لزعيم قوم * يمد على أخي سقم جناحا (وقل إني أنا النذير المبين) أي المنذر المظهر لقومه ما يصيبهم من عذاب الله (كما أنزلنا على المقتسمين) قيل