أي غرض لك في الامتناع، وأي سبب حملك عليه على أن لا تكون مع الساجدين لآدم مع الملائكة وهم في الشرف وعلو المنزلة والقرب من الله بالمنزلة التي قد علمتها، وجملة (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) مستأنفة كالتي قبلها، جعل العلة لترك سجوده كون آدم بشرا مخلوقا من صلصال من حمأ مسنون زعما منه أنه مخلوق من عنصر أشرف من عنصر آدم، وفيه إشارة إجمالية في كونه خيرا منه. وقد صرح بذلك في موضع آخر. فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - وقال في موضع آخر - أأسجد لمن خلقت طينا - واللام في لأسجد لتأكيد النفي: أي لا يصح ذلك منى، فأجاب الله سبحانه عليه بقوله (قال فأخرج منها فإنك رجيم) والضمير في منها، قيل عائد إلى الجنة، وقيل إلى السماء، وقيل إلى زمرة الملائكة: أي فأخرج من زمرة الملائكة فإنك رجيم أي مرجوم بالشهب. وقيل معنى رجيم ملعون: أي مطرود لأن من يطرد يرجم بالحجارة (وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين) أي عليك الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه مستمرا عليك لازما لك إلى يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وجعل يوم الدين غاية للعنة لا يستلزم انقطاعها في ذلك الوقت، لأن المراد دوامها من غير انقطاع، وذكر يوم الدين للمبالغة كما في قوله تعالى - ما دامت السماوات والأرض - أو أن المراد أنه في يوم الدين وما بعده يعذب بما هو أشد من اللعن من أنواع العذاب. فكأنه لا يجد له ما كان يجده قبل أن يمسه العذاب (قال رب فأنظرني) أي أخرني وأمهلني ولا تمتني إلى يوم يبعثون: أي آدم وذريته. طلب أن يبقى حيا إلى هذا اليوم لما سمع ذلك علم أن الله قد أخر عذابه إلى الدار الآخرة وكأنه طلب أن لا يموت أبدا، لأنه إذا أخر موته إلى ذلك اليوم فهو يوم لا موت فيه، وقيل إنه لم يطلب أن لا يموت، بل طلب أن يؤخر عذابه إلى يوم القيامة ولا يعذب في الدنيا (قال فإنك من المنظرين) لما سأل الإنظار أجابه الله سبحانه إلى ما طلبه وأخبره بأنه من جملة من أنظره ممن أخر آجالهم من مخلوقاته، أو من جملة من أخر عقوبتهم بما اقترفوا، ثم بين سبحانه الغاية التي أمهله إليها. فقال (إلى يوم الوقت المعلوم) وهو يوم القيامة فإن يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم كلها عبارات عن يوم القيامة، وقيل المراد بالوقت المعلوم هو الوقت القريب من البعث، فعند ذلك يموت (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض) الباء للقسم، وما مصدرية، وجواب القسم لأزينن لهم: أي أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض: أي ما داموا في الدنيا، والتزيين منه إما بتحسين المعاصي لهم وأيقاعهم فيها - أو يشغلهم بزينة الدنيا عن فعل ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها. وإقسامه ها هنا باغواء الله له لا ينافي أقسامه في موضع آخر بعزة الله التي هي سلطانه وقهره، لأن الإغراء له هو من جملة ما تصدق عليه العزة (ولأغوينهم أجمعين) أي لأضلنهم عن طريق الهدى وأوقعهم في طريق الغواية وأحملهم عليها (إلا عبادك منهم المخلصين) قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام: أي الذين استخلصتهم من العباد. وقرأ الباقون بكسر اللام: أي الذين أخلصوا لك العبادة فلم يقصدوا بها غيرك (قال هذا صراط على مستقيم) أي حق على أن أراعيه. وهو أن لا يكون لك على عبادي سلطان. قال الكسائي: هذا على الوعيد والتهديد، كقولك لمن تهدده: طريقك على ومصيرك إلي. وكقوله - إن ربك لبالمرصاد - فكأن معنى هذا الكلام هذا طرق مرجعه إلى فأجازي كلا بعمله وقيل على هنا بمعنى إلي، وقيل المعنى على أن الصراط المستقيم بالبيان والحجة، وقيل بالتوفيق والهداية. وقرأ ابن سيرين وقتادة والحسن وقيس بن عباد وأبو رجاء وحميد ويعقوب " هذا صراط على " على أنه صفة مشبهة، ومعناه رفيع (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) المراد بالعباد هنا هم المخلصون، والمراد أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه. فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه (إلا من اتبعك من الغاوين) استثنى سبحانه من عباده هؤلاء، وهم المتبعون لإبليس
(١٣١)