ذلك ولا يقدرون على معارضته، لأنه تعالى قال " قل " يا محمد لهؤلاء الكفار " لئن اجتمعت الإنس والجن " متعاونين متعاضدين " على أن يأتوا بمثل هذا القرآن " في فصاحته وبلاغته ونظمه، على الوجه الذي هو عليه، من كونه في الطبقة العليا من البلاغة وعلى حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت، لما أتوا بمثله، ولعجزوا عنه " ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " اي معينا، والمثلية التي تحدوا بالمعارضة بها معتادة بينهم، كمعارضة علقمة لامرئ القيس، ومعارضة الحرث ابن حلزة عمرو بن كلثوم، ومعارضة جرير الفرزدق. وما كان ذلك خافيا عليهم.
ثم قال " ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل " وتصريفه إياه هو توجيهه إياه في معان مختلفة. وقال الرماني: هو تصيير المعنى دائرا فيما كان من المعاني المختلفة. وذلك أنه لو أدير في المعاني المتفقة لم يعد ذلك تصريفا، فالتصريف تصيير المعنى دائرا في الجهات المختلفة.
وقوله " لا يأتون بمثله " إنما رفعه لأنه غلب جواب القسم على جواب (إن) لوقوعه في صدر الكلام، وقد يجوز أن يجزم على جواب (إن) إلا أن الرفع الوجه، وقال الأعشى:
لئن منيت بنا عن غب معركة * لاتلقنا من دماء القوم ننتقل (1) وقوله " فأبي أكثر الناس إلا كفورا " معناه إنما " صرفنا في هذا القرآن من كل مثل " ليستدلوا به على كونه من قبل الله تعالى ومع ذلك يأبى أكثر الناس إلا الجحد به، وإنكاره، فالكفور - ههنا - هو الجحود للحق بالاستكبار ويقولون مع ذلك " لن نؤمن لك " يا محمد " حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " ومعناه حتى تشقق من الأرض عينا ينبع بالماء أي يفور، فهو على وزن