كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) (111) آيتان بلا خلاف.
قرأ ابن عامر وحده " فتنوا " جعل الفعل لهم. الباقون " فتنوا " على ما لم يسم فاعله، يقال: فتنت زيدا، وهي اللغة الجيدة، وحكي افتنت. وحجة من قرأ على ما لم يسم فاعله أن الآية نزلت في المستضعفين المفتنين بمكة: عمار وبلال، وصهيب، فإنهم حملوا على الارتداد عن دينهم، فمنهم من اعطى ذلك تقية منهم: عمار، فإنه اظهر ذلك تقية، ثم هاجر. ومعنى قراءة بن عامر:
انه فتن نفسه، والمعنى من بعد ما فتن بعضهم نفسه باظهار ما أظهره بالتقية قال الرماني: في الآية دلالة على أنهم فتنوا في دينهم بمعصية كانت منهم، لقوله " ان ربك من بعدها لغفور رحيم " لان المغفرة الصفح عن الخطيئة، ولو كانوا أعطوا التقية على حقها لم تكن هناك خطيئة. وهذا الذي ذكره ليس بصحيح، ولا في الكلام دلالة عليه، وذلك أن الله تعالى إنما قال " ان ربك من بعدها " يعني بعد الفتنة التي فتنوا بها " لغفور رحيم " أي ساتر عليهم، لان ظاهر ما أظهروه يحتمل القبيح والحسن، فلما كشف الله عن باطن أمورهم، وأخبر انهم كانوا مطمئنين بالايمان كان في ذلك ستر عليهم، وإزالة الظاهر المحتمل إلى الآمر الجلي، وذلك من نعم الله عليهم.
يقول الله تعالى: إن هؤلاء الذين هاجروا بعد ما فتنوا عن دينهم، وجاهدوا في سبيله وصبروا على الأذى في جنب الله، فان الله اقسم انه ضمن لهم أن يفعل بهم الثواب، وساتر عليهم، ورحيم بهم منعم عليهم.
وقوله " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " (يوم) منصوب بأحد شيئين:
أحدهما - على معنى إن ربك من بعدها لغفور رحيم (يوم).
الثاني - على معنى واذكر يوم، لان القرآن عظة وتذكير، ومعنى تجادل عن نفسها تخاصم كل نفس عن نفسها، وتحتج بما ليس فيه حجة عند الحساب.