يشركون (54) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) (55) ثلاث آيات بلا خلاف.
يقول الله تعالى لخلقه إن جميع النعم التي تكون بكم ولكم، من صحة في جسم وسعة في رزق أو ولد، فكل ذلك من عند الله، ومن جهته وبخلقه لها وبتمكينكم من الانتفاع بها. والفاء في قوله " فمن الله " قيل في معناه قولان:
أحدهما - أن تكون (ما) بمعنى الذي، وفيه شبه الجزاء، كما قال تعالى " قل ان الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " (1) ويقول القائل: مالك هو لي ولا يجوز ان يقول مالك فهو لي، لأنه خبر ليس على طريق الجزاء.
والقول الثاني على حذف الجزاء، وتقديره ما يكن بكم من نعمة فمن الله.
وقوله " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " معناه متى ما لحقكم ضر وبلاء، وألم، وسوء حال، تضرعون إليه تعالى بالدعاء، وهو قول مجاهد. وأصل ذلك من جؤار الثور، يقال: جأر الثور يجأر جؤارا إذا رفع صوته، من جوع أو غيره قال الأعشى:
وما أيبلي على هيكل * بناه وصلب فيه وصارا يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا وطورا جؤارا (2) وقال عدي بن زيد:
انني والله فاقبل حلفتي * بابيل كلما صلى جأر (3) وقوله " ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون " اخبار منه تعالى انه إذا كشف ضر من يجأر إليه ويخضع له، ويرفع البلاء عنه، يصير - طائفة من الناس - يشركون بربهم في العبادة جهلا منهم بربهم، ومقابلة للنعمة التي