فأعلاه منزلة ما يستحق بالنبوة، وأدناه ما يستحق لخصلة من الطاعة أدناها كإماطة الأذى من الطريق وغيره.
وقوله " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "، بين أنه إنما يأمرها باكرامه لما يرجو من الانتفاع به فيما بعد أو للتبني به. وقال ابن مسعود: أحسن الناس فراسة ثلاثة:
العزيز حين قال لامرأته " أكرمي مثواه عسى ان ينفعنا " وابنة شعيب حين قالت في موسى " يا أبت استأجره " (1) وأبو بكر حين ولى عمر.
وقوله " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " ووجه التشبيه فيه انه تعالى شبه التمكين له في الأرض بالتوفيق للأسباب التي صار بها إلى ما صار بالنجاة من الهلاك والاخراج إلى اجل حال.
وقوله " ولنعلمه من تأويل الأحاديث " اللام فيه محمولة على تقدير دبرنا ذلك لنمكنه في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث.
وقوله " والله غالب على امره " معناه أنه قادر عليه من غير نافع حتى يقع ما أراد، ومنه وقوع المقهور بالغلبة في الذلة. وقيل غالب على امر يوسف يدبره ويحوطه.
وقوله " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " اخبار منه تعالى ان أكثر الخلق غير عالمين بحسن تدبير الله لخلقه، وما يجريه إليهم من مصالحهم وانه قادر لا يغالب، بل هم جاهلون بتوحيده، ولا يدل ذلك على أن من فعل ما كرهه الله يكون قد غالب الله، لان المراد بذلك ما قلناه من أنه غالب على ما يريد فعله بعباده.
فاما ما يريده على وجه الاختيار منهم فلا يدل على ذلك، ولذلك لا يقال إن اليهودي المقعد قد غلب الخليفة حيث لم يفعل ما اراده الخليفة من الايمان، وفعل ما كرهه من اليهودية وهذا واضح.