أنها مذكي، وسيرة المتدينين لا تحتاج إلى الامضاء مثل سيرة العقلاء، وذلك من جهة كون شئ طريقا عند العقلاء يمكن أن يقبل الشارع طريقيته ويمكن أن يردها، فيحتاج إلى الامضاء، وإلا يبقى على كونه مشكوك الطريقية عنده.
وأما سيرة المتدينين بما هم متدينين - مثل الاجماع - كاشف ابتداء عملهم هذا عن موافقته لرأى المعصوم عليه السلام.
ولا شك أن السيرة فيما نحن فيه من القسم الثاني، لان التذكية من الأمور الشرعية التي لا شأن للعقلاء بها بما هم عقلاء، نعم العقلاء بما هم عقلاء ينظرون إلى اللحم بنظر أنه من الطيبات أو من الخبائث، لا أنه مذكى أو غير مذكى.
وأما الروايات الواردة في هذه القاعدة واعتبارها فالظاهر من بعضها أيضا أماريتها، كرواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال: (لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام). قلت: فإن كان فيها غير أهل الاسلام؟
قال عليه السلام: (إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس)) (1). وظاهر أن التفريق - في الأرض المشترك أهلها بين المسلمين وغيرهم بتعليق الحكم بعدم اليأس على غلبة المسلمين من حيث كثرتهم من غيرهم - دليل على أن نظرهم عليهم السلام في هذا الحكم إلى جهة كاشفية الأرض التي أهاليها المسلمون عن كونه مذكى، فإذا كان المسلمون هم الغالبون على الأرض فيكون احتمال التذكية أقوى.
وكذلك الامر في رواية إسماعيل بن عيسى، ففي قوله عليه السلام فيها (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه) (2) علق السؤال والفحص عن أنه مذكى أو غير مذكى على بيع المشركين ذلك، وعدم السؤال والفحص على رؤية أنهم يصلون فيه.