وذلك من جهة أن كلمة (من) وإن كانت قد تأتي لبيان ما قبلها وأنه من أي جنس كقولهم: خاتم من فضة لكنه فيما نحن فيه لا يمكن ذلك، لان مدخول (من) ضمير راجع إلى نفس الشئ فلا يمكن أن يكون مفسرا ومبينا له كما هو شأن (من) البيانية.
وأما كونها بمعنى الباء وإن كان ممكنا كي يكون المنى كذلك: إذا أمرتكم بشئ فأتوا بذلك الشئ ما دام استطاعتكم ولكن هذا المعنى مع أنه لا ينطبق على المورد - لان السائل يسأل عن تعدد الاتيان في كل عام بعد الفراغ عن القدرة على الاتيان في العام الأول. وإن شئت قلت: بعد الفراغ عن القدرة على إتيان صرف الوجود - يكون ذكر هذا لقيد ركيكا، من جهة أن اشتراط التكليف ووجوب الاتيان بالقدرة عقلي و أمر واضح معلوم فلا بد وأن تكون كلمة (من) للتبعيض كما هو الظاهر والغالب من استعمالات هذه الكلمة فيكون المعنى هكذا: إذا أمرتكم بشئ فأتوا بعضه الذي تحت قدرتكم واستطاعتكم. وتكون الماء موصولة لا مصدرية ولا ظرفية فيكون مفاد الحديث الشريف عين القاعدة.
نعم هاهنا إشكال: وهو أن الاستدلال بهذا الحديث على هذه القاعدة مبني على أن يكون المراد من (الشئ) في قوله صلى الله عليه وآله: (إذا أمرتكم بشئ) هو الكل والمركب من عدة أجزاء وأما لو كان المراد به الكلي والطبيعة المنطبقة على الافراد والمصاديق المتعددة من دون ملاحظة خصوصيات المشخصة لها فيكون المعنى هكذا: إذا أمرتكم بطبيعة كلية ذات أفراد ومصاديق متعددة فأتوا بعض تلك الافراد والمصاديق الذي تحت استطاعتكم وقدرتكم، فيكون الحديث الشريف أجنبيا عما نحن بصدده ويكون تام الانطباق على المورد لان سؤال ذلك الصحابي كان عن لزوم تكرار الطبيعة وإيجادها في كل عام أو الاكتفاء بصرف الوجود منها والمتعين هو هذا الاحتمال وإلا يلزم عدم انطباقه على المورد وهو في غاية الركاكة.
ولا يمكن أن يقال بأن المراد من الشئ، كلا الامرين: الكل والكلي فيشمل المورد