يصدق عليه السبيل.
نعم بقي شئ: وهو أنه موضوع الحكم هل هو الاحسان في قصده واعتقاده وإن كان إساءة في الواقع؟ أو هو الاحسان واقعا وإن لم يعلم أنه إحسان، بل وإن قصد به الإساءة، أو كلاهما؟ أي: يكون إحسانا واقعا وهو أيضا يكون قاصدا للإحسان؟
وجوه.
والظاهر أنه دائر مدار الاحسان الواقعي وإن لم يقصد به الاحسان، لأن الظاهر من العناوين والمفاهيم - الذي أخذ موضوعا للحكم الشرعي - هو واقعها والمعنى الحقيقي لها، إلا أن يكون المتفاهم العرفي معنى آخر غير المعنى الحقيقي، ولا شك في أن العرف لا يفهم من لفظ (الاحسان) غير ما هو المعنى الحقيقي له. نعم هذا بحسب ما يستفاد من هذه الجملة.
وأما الدليل العقلي والاجماع فسترى ما يكون مفادهما.
الثاني: حكم العقل بقبح مؤاخذة المحسن على إحسانه ولعل إلى هذا يشير بطور الاستفهام الانكاري قوله تعالى: * (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) (1) أي مكافاة الاحسان يكون بالاحسان إلى المحسن، لا الإساءة إليه.
وبعبارة أخرى: شكر المنعم حسن بحكم العقل وعند العقلاء، ولا شك في أن المحسن منعم، فشكره أي جزاءه بالاحسان إليه قولا أو عملا حسن، كما أن كفران نعمته قبيح.
ومعلوم أن تغريم المحسن وتضمينه فيما أحسن إليه كفران لما أنعم عليه وذلك كما في المثال الذي ذكرنا أنه لو رأى غنم شخص صاحبه غائب عنه فأدخله في داره للحفظ عن التلف وأن لا يفترسه السباع، فانهدم البناء وتلف، فتغريم هذا الشخص وتضمينه قبيح بحكم العقل ويكون إساءة في مقابل جميله وإحسانه، لأنه وإن وضع