وسيأتي أن الذمي كالمسلم. قوله (أو علم القاضي بفسقه) هذا لم يذكره في الفتح، بل ذكر في النهر عن الخانية، ولعله مبني على القول المرجوع من أن للقاضي أن يقضي بعلمه. تأمل. قوله:
(بلا بيان سببه) مثل أنه فاسق، وهذا تفسر لقوله، (مجرد) واحترز به عما لو بين سببا شرعا كتقبيل أجنبية كما ذكره بعد.
مطلب في الجرح المجرد قلت: وهذا مخالف لما ذكروه الشهادات من أن الشهادة لا تقبل على جرح مجرد عن إثبات حق لله تعالى أو للعبد، مثل أن يشهدوا على شهود المدعي بأنهم فسقة أو زناة أو أكله الربا أو شربة الخمر أو على إقرار هم شهدوا بروز، وتقبل لو شهدوا على الجرح المركب مثل إنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد، أو إني صالحتهم بكذا من المال على أن لا يشهدوا علي بالباطل وأطلب رد المال منهم، ففي هذا إثبات حق لله تعالى وهو الحد غاية أن عادتهم فعل الزنا أو نحو، فهو جرح مجرد.، وقد قال في القنية هنا: إن الشهادة على الجرح المجرد لا تصح، بل تصح، إذا ثبت فسقه في ضمن ما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود اه. فهذا يفيد أن ما بين سببه كتقبيل أجنبية مثلا جرح مجرد لأنه ليس في ضمن ما تصح فه الخصومة، ولهذا أورد الظاهر بأن مرادهم بحقه تعالى الحد لا التعزير لأنه يسقط بالتوبة، فليس في وسع القاضي إلزامه به، بخلاف الحد، فإنه لا يسقط بها.
قلت: والتحقيق، أنه يفرق بين البابين بأن المراد بالمجرد هنا ما لم يبين سببه، وغير المجرد ما بين له سبب موجب لحق الله تعالى من حد أو تعزير أو لحق العبد، والمراد بالمجرد في باب الشهادة ما لم يوجب حدا أو حق عبد وغير المجر دما ثبت في ضمن تصح فيه الخصومة من حق لله تعالى أو للعبد. ووجه الفرق أن المقصود هنا إسقاط التعزير عن القاذف بإثبات ما يوجب صدقه لا إثبات فسق المقذوف ابتداء فلذا اكتفى ببيان السبب الموجب لفسقه، ولم يكتف بالمجرد عنه لاحتمال ظن الشاهدين ما ليس بموجب للفسق مفسقا. وأما في باب الشهادة فإن المقصود إثبات فسق الشاهد ابتداء لان القاضي يبحث أولا عن عدالته ليقبل شهادته، فإذا برهن الخصم على جرحه كان المقصود إثبات فسقه لتسقط عدالته، لان الجرح مقدم على التعديل وإثبات الفسق مقصودا إظهار الفاحشة. وقد قالوا: إنه مفسق لشهود الجرح فلا تقبل شهادتهم إلا إذا كان في ضمن إثبات حق تصح فيه الخصومة، لأنه لم يصر مقصودا بإظهار الفاحشة بل يثبت ضمنا، ولا يدخل في الحق هنا التعزير لما مر عن المصنف.
فالحاصل أن ما يوجب التعزير جرح مجرد في باب الشهادة لا هنا فيقبل هنا بعد سببه لا هناك لما علمت، ويدل على ما قلنا ما صرحوا به هناك من أن الجرح المجرد إنما لا يقبل لو كن جهرا لأنه إظهار للفاحشة أما لو كان سرا فإنه يقبل، وكذا ما صرحوا به أيضا من أنه لا يقبل من أنه لا يقبل إذا كان بعد التعديل كما اعتمده المصنف ومشى عليه هناك، فلو كان قبله قبل. والظاهر أن علة قبله