مصارفه كما حررناه في باب العشر من الزكاة، فعلى هذا إذا اشترى جارية من الغنيمة: فإن كان ممن يستحق من الخمس، جاز له صرفها إلى نفسه بطريق استحقاقه من الخمس، وإن لم يكن مستحقا منه وله استحقاق من غيره كالعالم الغني ينبغي له أن يملكها لفقير مستحق من الخمس، ثم يشتريها منه أو يملكه خمسها فقط، ثم يشتريه منه لأنه لو صرفها إلى نفسه يبقى فيها الخمس فلا يحل له وطؤها، لكن قد يقال: إن الغنيمة بعد الاحراز صارت مشتركة بين الغانمين، وأصحاب الخمس، وقد مر أن من مات بعد الاحراز يورث نصيبه، ولكن لما جهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت المال، وانقطعت الشركة الخاصة، وصار ت من حقوق بيت المال، كسائر أموال بيت المال المستحقة لعامة المسلمين استحقاقا، لا بطريق الملك، لان من مات وله حق في بيت المال لا يورث حقه منه، بخلاف الغنيمة المحرزة قبل جهالة مستحقيها، وتفرقهم فإنها شركة خاصة، وحيث صار مرجعها بيت المال لم يبق فيها حق الخمس أيضا، فلمن يستحق من بيت المال أن يتملكها لنفسه، هذا ما ظهر لي.
وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية السيد السمهودي قال فيها: وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي للتسري، فذاكر شيخنا العلامة محقق العصر الجلال المحلي في أمر الغنائم والشراء من وكيل بيت المال فقال له شيخنا الوالد: نحن نتملكها بطريق الظفر لما لنا من الحق الذي لا نصل إليه في بيت المال، لان تلك الجارية على تقدير كونها من غنيمة لم تقسم قسمة شرعية قد آل الامر فيها إلى بيت المال، لتعذر العلم بمستحقيها، فقال شيخنا المحلي: نعم لكم فيه حقوق من وجوه اه.
وهذا موافق لما نقلناه عن القنية وعن البزازية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب استيلاء الكفار لما فرغ من بيان حكم استيلائنا عليهم شرع في بيان حكم استيلاء بعضهم على بعض، وحكم استيلائهم علينا. فتح. وبه ظهر أنه من إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله أيضا، لأنه هو ما فرغ من بيانه، فافهم. قوله: (على بعضهم بعضا) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وصوابه بعضهم على بعض كما قال ح أو إسقاط لفظ بعضا كما قال ط. قوله: (بدار الحرب) أفاد إطلاقه أنه لا يشترط الاحراز بدار المالك، حتى لو استولى كفار الترك والهند على الروم وأحرزوها بالهند، ثبت الملك لكفار الترك ككفار الهند كما في الخلاصة. قهستاني ونحوه في البحر. ويأتي ما يؤيده، لكن ذكر ابن كمال أن الإحراز هنا غير شرط، وإنما هو مخصوص في المسألة الآتية وهي قوله: وإن غلبوا على أموالنا الخ على ما أفصح عنه صاحب الهداية اه: أي حيث أطلق هنا، وقيد بالاحراز في الآتية، وذكر في الشرنبلالية مثل ما ذكره ابن كمال، فتأمل. قوله: (لاستيلائه على مباح) أي فيملكه هو بمباشرة سببه كالاحتطاب والاصطياد. قوله: (ولو سبي الخ) ذكر المسألة بتعليلها في الدرر عن واقعات الصدر الشهيد، ولم يذكر أموال أهل الذمة لأنها كأموالنا فتملك بالاحراز، وقوله: من دارنا: الظاهر أنه احتراز عما لو لحق الذمي بدار الحرب فسبى منها، أما لو دخل دارهم على نية العود، فالظاهر أنه لا يملك بالسبي لبقاء عهد الذمة، فله حكمنا. تأمل. قوله: