مطلب: أجمعوا على كفر فرعون وأما إيمان اليأس، فذهب أهل الحق أنه لا ينفع عند الغرغرة، ولا عند معاينة عذاب الاستئصال، لقوله تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (سورة غامر: الآية 58) ولذا أجمعوا على كفر فرعون، كما رواه الترمذي في تفسير سورة يونس، وإن خالف في ذلك الامام العارف المحقق سيدي محيي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات. قال العلامة ابن حجر في الزواجر: فإنا وإن كنا نعتقد جلالة قائله فهو مردود، فإن العصمة ليست إلا للأنبياء، مع أنه نقل عن بعض كتبه أنه صرح فيها بأن فرعون مع هامان وقارون في النار. وإذا اختلف كلام إمام فيؤخذ بما يوافق الأدلة الظاهرة ويعرض عما خالفها، ثم أطال في بيان رده.
مطلب في استثناء قوم يونس وذكر أيضا أنه يستثنى من إيمان اليأس قوم يونس عليه السلام، لقوله تعالى: * (إلا قوم يونس) * (سورة يونس: الآية 89) الآية، بناء على أن الاستثناء متصل، وأن إيمانهم كان عند معاينة عذاب الاستئصال، وهو قول بعض المفسرين بجعله كرامة وخصوصية لنبيهم، فلا يقاس عليها.
مطلب في إحياء أبوي النبي (ص) بعد موتهما ألا ترى أن نبينا (ص) قد أكرمه الله تعالى بحياة أبويه له حتى آمنا به في حديث صححه القرطبي وابن ناصر الدين حافظ الشام وغيرهما، فانتفعا بالايمان بعد الموت على خلاف القاعدة إكرما لنبيه (ص)، كما أحيا قتيل بني إسرائيل ليخبر بقاتله. وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى، وكذلك نبينا (ص) أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى. وقد صح أن الله تعالى رد عليه (ص) الشمس بعد مغيبها حتى صلى علي كرم الله وجهه العصر، فكما أكرم بعود الشمس والوقت بعد فواته، فكذلك أكرم بعود الحياة ووقت الايمان بعد فواته. وما قيل إن قوله تعالى: * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * (سورة البقرة: الآية 911) نزل فيهما لم يصح، وخبر مسلم أبي وأبوك في النار كان قبل علمه اه.
ملخصا وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب نكاح الكافر. قوله: (وفيها أيضا شهد نصرانيان الخ) هذا ساقط من بعض النسخ، وسيذكره بعد قوله: وكل مسلم ارتد الخ. قوله: (على ما مر) أي عن الخانية معزيا للبلخي، لكن قدمنا أن المروي عن أصحابنا جميعا خلافه.
مطلب مهم: في حكم ساب الأنبياء قوله: (الكافر بسب نبي) في بعض النسخ والكافر، بواو العطف، وهو المناسب. قوله: (فإنه يقتل حدا) يعني أن جزاءه القتل على وجه كونه حدا، ولذا عطف عليه قوله: ولا تقبل توبته لان الحد لا يسقط بالتوبة، فهو عطف تفسير، وأفاد أنه حكم الدنيا، أما عند الله تعالى فهي مقبولة كما في البحر.