كتاب الجهاد هذا الكتاب يعبر عنه بالسير والجهاد والمغازي، فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير، فتكون لبيان هيئة السير وحالته، إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج، وقالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر، وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير. بحر.
مطلب في فضل الجهاد قلت: والسير الكبير والسير الصغير كتابان للإمام محمد بن الحسن رحمه الله تعالى على صيغة جمع سيرة لا على صيغة المفرد. هذا وفضل الجهاد عظيم، كيف وحاصله بذل أعز المحبوبات وهو النفس، وإدخال أعظم المشقات عليه تقربا بذلك إلى الله تعالى، وأشق منه قصر النفس على الطاعات على الدوام، ومجانبة هواها، ولذا قال (ص) وقد رجع من غزاة رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ويدل عليه أنه (ص) أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث ابن مسعود: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله، ولو استزدته لزادني رواه البخاري، وجاء تأخيره عن الايمان في حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: سئل رسول الله (ص): أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور ويجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الايمان من عموم المجاز. ولا ترد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد، لأنها فرض عين وتتكرر، ولان الجهاد ليس إلا للايمان وإقامة الصلاة، فكان حسنا لغيره والصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه، وتمام تحقية ذلك ما ورد في فضل الجهاد المذكور في الفتح.
مطلب: المواظبة على فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد قلت: وقد نص على ذلك الامام السرخسي في شرح السير الكبير حيث قال عن أبي قتادة:
أن رسول الله (ص) قام يخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الجهاد فلم يدع شيئا أفضل من الجهاد إلا الفرائض يريد به الفرائض التي تثبت فريضتها عينا وهي الأركان الخمسة، لان فرض العين آكد من فرض الكفاية، والثواب بحسب آكدية الفرضية، فلهذا استثنى الفرائض.
مطلب في تكفير الشهادة مظالم العباد ثم ذكر أحاديث في أن الشهيد تكفر خطاياه، إلا الدين. وقال: إذا كان محتسبا صابرا مقبلا.
قال وفيه بيان شدة الامر في مظالم العباد. وقيل كان هذا في الابتداء حين نهى (ص) عن الاستدانة لقلة ذات يدهم وعجزهم عن قضائه، ولهذا كان لا يصلي على مديون لم يخلف مالا، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فهو علي وورد نظيره فيلا الحج أنه (ص) دعا لامته بعرفات، فاستجيب له إلا المظالم، ثم دعا بالمشعر الحرام فاستجيب له حتى المظالم، فنزل جبريل عليه السلام يخبره أنه تعالى يقضي عن بعضهم حق البعض فلا يبعد مثل ذلك في حق الشهيد المديون.