وهو أن حد الزنا أو الشرب ليس له مطالب مخصوص فكان استيفاؤه للقاضي ابتداء والقاضي مندوب:
أي مأمور بالدرء: أي درء الحد بالستر عليه كما مر في الشاهد للخبر، وهو حديث: من رأى عورة فسترها كن كمن أحيا موءودة فإذا أعرض القاضي عما ندب إليه وأراد استيفاءه لحقته تهمة بذلك، فلم يجز له استيفاؤه، بخلاف حد القذف والقود فإن له مطالبا وهو المقذوف وولي المقتول، حتى قيل إن إقامة التعزير لصاحبه كالقصاص كما نقله في المجتبى فلم يوجد من القاضي تهمة فيه، فكان له استيفاؤه فيما بينه وبين الله تعالى، لان القضاء ليس شرطا لاستيفاء القصاص بل للتمكين كما مر قبيل باب الشهادة على الزنا، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل فتأمله، والله سبحانه أعلم.
باب التعزير لما ذكر الزواجر المقدرة شرع في غير المقدرة، وأخرها لضعفها، وألحقه بالحدود مع أن منه محض حق العبد لما أنه عقوبة، وتمامه في النهر. قوله: (هو لغة التأديب مطلقا) أي بضرب وغيره دون الحد أو أكثر منه. ويطلق على التفخيم والتعظيم، ومنه: * (وتعزروه وتوقروه) * (سورة الفتح: الآية 9) فهو من أسماء الأضداد. قوله: (غلط) لان هذا وضع شرعي لا لغوي، إذ لم يعرف إلا من جهة الشرع، فكيف نسب لأهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله؟ والذي في الصحاح بعد تفسيره بالضرب: ومنه سمى ضرب ما دون الحد تعزيرا، فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد هو كون ذلك الضرب دون الحد الشرعي فهو كلفظ الصلاة والزكاة ونحوهما المنقولة لوجود المعنى اللغوي فيها وزيادة، وهذه دقيقة مهمة تفطن لها صاحب الصحاح وغفل عنها صاحب القاموس، وقد وقع له نظير ذلك كثيرا وهو غلط يتعين التفطن له اه. نهر عن ابن حجر المكي.
وأجيب بأنه لم يلتزم الألفاظ اللغوية فقط، بل يذكر المنقولات الشرعية والاصطلاحية، وكذا الألفاظ الفارسية تكثيرا للفوائد، وفيه نظر لان كتابة موضوع لبيان المعاني اللغوية، فحيث ذكر غيرها كان عليه التنبيه عليه لئلا يوقع الناظر في الاشتباه. قوله: (تأديب دون الحد) الفرق بين الحد والتعزير أن الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الامام، وأن الحد يدرأ بالشبهات والتعزير يجب معها، وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع عليه. والرابع أن الحد يطلق على الذمي والتعزير يسمى عقوبة له لان التعزير شرع للتطهير تتارخانية. وزاد بعض المتأخرين أن الحد مختص بالامام والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية، وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير، وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير، وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه وأنه لا يجوز للامام تركه أنه قد يسقط بالتقادم بخلاف التعزير، فهي عشرة.
قلت: وسيجئ غيرها عند قوله: وهو حق العبد. قوله: (أكثره تسعة وثلاثون سوطا) لحديث من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وحد الرقيق أربعون فنقص عنه سوطا، وأبو يوسف اعتبر أقل حدود الأحرار، لان الأصل الحرية فنقص سوطا في رواية عنه. وظاهر الرواية عنه تنقيص خمسة كما روى عن علي.
ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي لكنه غريب عن علي، وتمامه في الفتح. وفي