لان سبب وجوب الحد ظهر عند القاضي، فلاح يكون له أن يؤخر الحد لتضرر المقذوف بتأخير دفع العار عنه وإلى آخر المجلس قليل لا يتضرر. وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد: يكفل، فلذا يحبس عندهما في دعوى الحد والقصاص، ولا خلاف أنه لا يكفل بنفس الحد والقصاص. وكان أبو بكر الرازي يقول: مراد أبي حنيفة أن القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل، فأما إذا سمحت نفسه به فلا بأس، لان تسليمه نفسه مستحق عليه، والكفيل بالنفس إنما يطالب بهذا القدر. فتح. قوله:
(درئ الحد الخ) لا الفاسق فيه نوع قصور وإن كان من أهل الأداء والتحمل، ولذا لو قضى بشهادته نفذ عندنا، فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، وكذا عن المقذوف لاشتراط العدالة في الثبوت. وأما لو كانوا عميانا أو عبيدا أو محدودين في قذف أو كانوا ثلاثة فإنهم يحدون للقذف دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب كما تقدم في باب الشهادة على الزنا.
قلت: والظاهر أن القاذف يحد أيضا، لان الشهود إذا حدوا مع أنهم إنما تكلموا على وجه الشهادة لا على وجه القذف يحد القاذف بالأولى ولم أره صريحا، وهذا بخلاف شهادة الاثنين على الاقرار كما مر قريبا. قوله: (يكتفي بحد واحد الخ) أفاد أن الحد وقع بفعل المتكرر، إذ لو حد للأول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني سواء كان قذفا أو زنا أو شربا كما صرح به في الفتح وغيره. بحر. لكن استثنى ما إذا قذف المحدود ثانيا المقذوف الأول كما يأتي قريبا. قوله: (اتحد جنسها) بأن زنا أو شرب أو قذف مرارا. كنز وكذا السرقة. بحر. قوله: (كما بيناه) أي عند قوله:
اجتمعت عليه أجناس مختلفة الخ. قوله: (بكلمة) مثل أنتم زناة. نهر. ومثله يا ابن الزانيين كما مر أول الباب. قوله: (إلا سوطا) احتراز عما لو تمم الحد ثم قذف رجلا آخر فإنه يحد ثانيا. قوله:
(في المجلس) لم أر من صرح بمحترزه. قوله: (ولا شئ للثاني للتداخل) والأصل أنه متى بقي عليه من الحد الأولى شئ فقذف آخر قبل تمامه ضرب بقية الأول ولم يحد للثاني. جوهرة.
قلت: وقيد ذلك في البحر والنهر بما إذا حضرا جميعا، لما في المحيط والتبيين: لو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا، ولو كان ذلك في القذف، فإن حضر الأول والثاني جميعا أو الأول كمل الأول، ولا شئ للثاني للتداخل، وإن حضر الثاني وحده يجلد حدا مستقبلا للثاني ويبطل الأول لعدم دعواه اه: أي لعدم دعوى الأول تكميل الحد الواجب له لأنه بمنزلة العفو ابتداء، فكما لا يقام له الحد ابتداء إلا بطلبه كذلك لا يكمل له إلا بطلبه، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
والحاصل أنه إنما يكتفي بتكميل الحد الأول إن طلب المقذوف الأول وحده أو مع الثاني فلو طلب الثاني وحده: حد له حدا مستقبلا كحد الزنا والشرب.