قلت: واعترضه في الدر المنتقى بأنهم ذكروا هذا عن الشافعي لا عندنا. قلت: على أنه ينافيه ما في البدائع. قوله: (وما نقل المصنف) حيث قال: وفي الحاوي القدسي، وعن أبي يوسف:
الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه. وهذا يقتضي كما نبه عليه شيخنا: يعني صاحب البحر أن الفتوى على الصرف إلى الأغنياء فليحفظ اه.
قوله: (نظر فيه في النهر) حيث قال: وأقول فيه نظر، بل هو ترجيح لاعطائهم، وغاية الامر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به اه. وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر، وهذه عبارته: وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم: سهم اليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم، ويقدمون، ولا يدفع لأغنيائهم شئ، وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه. إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها، فتدبر اه ح.
قلت: لكن أنت خبير بأن هذه الرواية عن أبي يوسف: وهي خلاف المشهور عنه، والمتون والشروح أيضا على خلافها، فالواجب اتباع المذهب في هذه المسألة الذي اعتنى الشراح وغيرهم بتأييد أدلته والجواب عما ينافيه، فهذا أقوى ترجيح ولا يعارضه ترجيح الحاوي، ثم رأيت العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي نبه على نحو ما قلته في شرحه على الدرر والغرر. قوله: (وذكره تعالى) أي قوله تعالى: * (فإن الله خمسه) * (سورة الأنفال: الآية 14). قوله: (لأنه حكم علق بمشتق وهو الرسالة) عبارة النهر:
وهو الرسول، فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة رسول بعده اه: أي كما لو قيل: إذا لقيت عالما فأكرمه، وإذا لقيت فاسقا فأهنه، فإنه علق فيه الامر بالاكرام والإهانة على مشتق، وهو عالم وفاسق، فيدل على أن ما اشتق منه ذلك الوصف: أعني العلم والفسق: علة الحكم: أي أكرمه لعلمه وأهنه لفسقه، وبه يظهر ما في عبارة الشرح، ثم إن هذا أغلبي لما علمت من أن قوله تعالى:
* (ولذي القربى) * (سورة الأنفال: الآية 14) ليس علته القرابة عندنا بل النصرة، إلا أن يقال: مرادهم نفي كون العلة مجرد القرابة، بل العلة قرابة خاصة مقيدة بالنصرة على الوجه المار، فتدبر.
مطلب في أن رسالته (ص) باقية بعد موته تنبيه: قدمنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن سهمه (ص) يخلفه فيه الامام بعده: أي بناء على أنه (ص) كان يستحقه لامامته، وعندنا لرسالته، ولا رسول بعده: أي لا يوصف بعده أحد بهذا الوصف فلذا سقط بموته، بخلاف الإمامة والقيام بأمور الأمة، وبهذا التقرير اندفع ما أورده المقدسي على قولهم: ولا رسول بعده من أنهم إن أرادوا أن رسالته مقصورة على حياته فممنوع، إذ قد صرح في منية المفتي بأن رسالة الرسول لا تبطل بموته، ثم قال: ويمكن أن يقال: إنها باقية حكما بعد موته، وكان استحقاقه بحقيقة الرسالة لا بالقيام بأمور الأمة اه. ولا يخفى ما في كلامه من إيهام انقطاع حقيقتها بعده (ص)، فقد أفاد في الدر المنتقى أنه خلاف الاجماع.
قلت: وأما ما نسب إلى الامام الأشعري إمام أهل السنة والجماعة من إنكار ثبوتها بعد الموت، فهو افتراء وبهتان، والمصرح به في كتبه وكتب أصحابه خلاف ما نسب إليه بعض أعدائه، لان الأنبياء