على احتمال انتقاله إليه بوجه صحيح، فكيف يصح على مذهبنا بأنها مملوكة لأهلها أقروا عليها بالخراج، كما قدمناه؟ أنه يقال: إنها صارت لبيت المال، وليست مملوكة للزراع، لاحتمال موت المالكين لها شيئا فشيئا بلا وارث، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال أوقافها وإبطال المواريث فيها، وتعدي الظلمة على أرباب الأيدي الثابتة المحققة في المدد المطاولة بلا معارض ولا منازع، ووضع العشر أو الخراج عليها لا ينافي ملكيتها كما مر، وهو صريح قول المصنف وغيره هنا: إن أرض سواد العراق خراجية وإنها مملوكة لأهلها، واحتمال موت أهلها بلا وار ث لا يصلح حجة في إبطال اليد المثبتة للملك، فإنه مجرد احتمال لم ينشأ عن دليل، ومثله لا يعارض المحقق الثابت، فإن الأصل بقاء الملكية، واليد أقوى دليل عليها، فلا تزول إلا بحجة ثابتة، وإلا لزم أن يقال مثل ذلك في كل مملوك بظاهر اليد، مع أنه لا يقول به أحد. وقد سمعت نقل الامام النووي الاجماع على عدم التعرض، مع أن مذهبه أن تلك الأراضي في الأصل غير مملوكة لأهلها بل هي وقف، أو ملك لبيت المال، فعلى مذهبنا بالأولى، واحتمال كون أهلها ماتوا بلا وارث بعد الامام النووي أبعد البعد، وهذا ابن حجر المكي بعد النووي بمئات من السنين وقد سمعت كلامه.
والحاصل في الأراضي الشامية والمصرية ونحوها: أن ما علم منها كونه لبيت المال بوجه شرعي فحكمه ما ذكره الشارح عن الفتح، وما لم يعلم فهو ملك لأربابه والمأخوذ منه خراج لا أجرة، لأنه خراجي في أصل الوضع، فاغتنم هذا التحرير، فإنه صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ، وإنما أطلت في ذلك لأني لم أر من تعر ض لذلك هنا، بل تبعوا المحقق الكمال في ذلك والحق أحق أن يتبع، ولعل مراد المحقق ومن تبعه الأراضي التي علم كونها لبيت المال، والله تعالى أعلم.
مطلب في السلطان وشرائه أراضي بيت المال قوله: (وعلى هذا) أي على كونها صارت لبيت المال. قوله: (من وكيل بيت المال) متعلق بشراؤه، وهو من نصبه الامام قيما على بيت المال، وأما البيع فيصح بيعه بنفسه، بخلاف الشراء، فإن وصي اليتيم لا يصح شراؤه مال اليتيم، فلذا قيد الشراء بكونه من الوكيل وفي الخانية والخلاصة: فإن أراد السلطان أن يأخذها لنفسه يبيعها من غيره، ثم يشتري من المشتري اه. وفي التجنيس: إذا أراد السلطان أن يشتريها لنفسه أمر غيره أن يبيعها من غيره ثم يشتريها لنفسه من المشتري، لان هذا أبعد من التهمة اه. قوله: (لأنه كوكيل اليتيم) أي كوصيه وسماه وكيلا مشاكلة.
قوله: (فلا يجوز إلا لضرورة) أي بأن احتاج بيت المال لكن نازعه صاحب البحر في رسالته بإطلاق ما مر آنفا ن الخانية والخلاصة، فإنه يدل على جواز البيع للامام مطلقا، وبما في الزيلعي من أن للامام ولاية عامة، وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض ع المشترك العام جائز من الامام، ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه، فقوله: شيئا نكرة في سياق الشرط يعم العقار وغيره لحاجة وغيرها. قوله: (زاد في البحر) أي زاد على قوله: إلا لضرورة قوله: أو رغب في العقار الخ وعبر عن هذه الزيادة في التحفة المرضية بقوله: أو مصلحة فافهم.
قلت: وسنذكر آخر الباب أن للامام أن يقطع من بيت المال الأرض لمن يستحق، وأن هذا