صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني، وكثير من علمائنا اه. وذكر في جواب سؤال آخر: أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص، لا يمنع منه، لأنهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين، وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين، فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ، فلا يمنعون كما هو ظاهر اه. وقال قارئ الهداية في فتاواه: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم، وما لا فلا، وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع وضوء وهواء. قال: هذا هو ظاهر المذهب، وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين، بل يسكنون منعزلين. قال قارئ الهداية: وهو الذي أفتى به أنا اه. أي لأنه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا، فله منعهم من التعلي بالأولى. وذكر في جواب آخر: لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين، ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين، بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين اه. وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف، وأفتى به أولا أيضا، والظاهر أن قوله: هذا هو ظاهر المذهب، يرجع إلى قوله: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه وبين المسلمين في كل شئ، ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار، بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للامام قتله، ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله: إن ما أفتى به قارئ الهداية من ظاهر المذهب أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب، لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا فإن قارئ الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت. والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف، بل في المعاملات من العقود ونحوها، للأدلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين، وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب، وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه، فلا يباح برضا الجار المسلم اه.
وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه، ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له، هذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم.
مطلب فيما ينتقض به عهد الذمي وما لا ينتقض قوله: (وينتقض عهدهم الخ) لأنهم بذلك صاروا حربا علينا، وعقد الذمة ما كان إلا لدفع شر حرابتهم فيعرى عن الفائدة فلا يبقي ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده. فتح. قوله: (بالغلبة على موضع) أي قرية أو حصن. فتح. قوله: (للحرب) أي لأجل حربنا، وفي بعض النسخ للحراب بزيادة الألف، واحترز بالغلبة المذكورة عما لو كانوا من أهل البغي يعنونهم على القتال، فإنه لا ينتقض عهدهم، كما ذكره الزيلعي وغيره في باب البغاة. قوله: (أو باللحاق بدار الحرب) لا يبعد أن يقال: انتقاله إلى المكان الذي تغلبوا فيه كانتقاله إلى دار الحرب بالاتفاق، إن لم يكن ذلك المكان مواخما لدار الاسلام: أي بأن كان متصلا بدار الحرب، وإلا فعلى قولهما كما في الفتح.
قوله: (أو بالامتناع عن قبول الجزية) أي بخلاف الامتناع عن أدائها على ما يأتي، لكن الامتناع عن