في أنفع الوسائل فقال: إن عبدة الأوثان والنيران والمشرك في الربوبية والمنكر للوحدانية كالثنوية إذا قال الواحد منهم لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، وكذا لو قال أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمنا أو آمنا بالله. اه. وذكر قبله عن المحيط أن الكافر إذا أقر بخلاف ما اعتقد يحكم بإسلامه، ونحوه في شرح السير الكبير. وبه علم أن ما في شرح المسايرة لابن أبي شريف الشافعي من أنه يكتفي في الثنوي والوثني بالشهادتين بدون تبري فهو على مذهبه: أو المراد به إحداهما، فافهم. قوله: (وفي الثالث بقول محمد رسول الله) فلو قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه لأنه منكر الرسالة، ولا يمتنع عن هذه المقالة، ولو قال أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه، لأنه يمتنع عن هذه الشهادة، فكان الاقرار بها دليل الايمان. بدائع. ومقتضاه أن الاتيان بالثانية يكفيه، لان المدار على الاقرار بخلاف معتقده. قوله: (وفي الرابع بأحدهما) علله في الدرر بأنه لا منكر للامرين جميعا، فبأيهما شهد دخل في دين الاسلام اه. وهذا التعليل موافق لما قدمناه عن البدائع، وبه صرح أيضا في شرح السير الكبير، وزاد أنه لو قال أنا مسلم فهو مسلم، لان عبدة الأوثان لا يدعون هذا الوصف لأنفسهم، بل يبرؤون على قصد المغايظة للمسلمين، وكذا لو قال أنا على دين محمد، أو على الحنفية أو على دين الاسلام وقد علمت أن هذا الرابع داخل في الأولين، والحكم في الكل واحد، وهو الاكتفاء بأحد اللفظين عن الآخر، وأن ما مر عن شرح المسايرة لا يدفع المنقول عندنا، فافهم.
مبحث في اشتراط التبري مع الاتيان بالشهادتين قوله: (وفي الخامس بهما في التبري الخ) ذكر ابن الهمام في المسايرة أن اشتراط التبري لاجراء أحكام الاسلام عليه لا لثبوت الايمان فيما بينه وبين الله تعالى، فإنه لو اعتقد عموم الرسالة وتشهد فقط كان مؤمنا عند الله تعالى اه. ثم إن الذي في البدائع: لو أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ عن الدين الذي هو عليه وزاد على المحيط: لا يكون مسلما حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، ويقر أنه دخل في الاسلام، لأنه يحتمل أنه تبرأ من اليهودية ودخل في النصرانية، فإذا قال مع ذلك: ودخلت في الاسلام يزول هذا الاحتمال. وقال بعض مشايخنا: إذا قال: دخلت في الاسلام يحكم بإسلامه وإن لم يتبرأ مما كان عليه، لأنه يدل على دخول حادث منه في الاسلام اه.
ومثله في شرح السير الكبير.
قلت: اشتراط قوله ودخلت في دين الاسلام ظاهر فيما إذا تبرأ من دينه فقط، إلا إذا تبرأ من كل دين يخالف دين الاسلام فلا يحتاج إليه لعدم الاحتمال المذكور، فلذا لم يذكره الشارح مع صيغة التبري التي ذكرها. والظاهر أنه لو أتى بالشهادتين وصرح بتعميم الرسالة إلى بني إسرائيل وغيرهم أو قال أشهد أن محمدا رسول الله إلى كافة الخلق الإنس والجن: يكفي عن التبري أيضا، كما صرح به الشافعية.
تنبيه: قال في الفتح: إن اشتراط التبري إنما هو فيمن بين أظهرنا منهم، وأما من في دار الحر أأدخل لو حمل عليه مسلم فقال محمد رسول الله فهو مسلم، أو قال: دخلت في دين الاسلام أو دين محمد (ص) فهو دليل إسلامه، فكيف إذا أتى بالشهادتين، لان في ذلك الوقت ضيقا، وقوله هذا إنما أراد به الاسلام الذي يدفع عنه القتل الحاضر، فيحمل عليه ويحكم به بمجرد ذلك اه.