حقيقة وحكما لما مر اه: أي لعدم من يجب عليه بسبب موت أهلها، وصيرورتها لبيت المال.
قلت: لكن يمكن جعلها مزارعة كما مر في كلام الخيرية: وهي في معنى الإجارة، لا إجارة حقيقة، ولهذا قال في الفتح إن المأخوذ بدل إجارة.
مطلب: القول لذي اليد أن الأرض ملكه وإن كانت خراجية ثم اعلم أن أراضي بيت المال المسماة بأراضي المملكة وأراضي الحوز إذا كانت في أيدي زراعها لا تنزع من أيديهم ما داموا يؤدون ما عليها، ولا تورث عنهم إذا ماتوا، ولا يصح بيعهم لها، ولكن جرى الرسم في الدولة العثمانية أن من مات عن ابن انتقلت لابنه مجانا، وإلا فلبيت المال، ولو له بنت أو أخ لأب له أخذها بالإجارة الفاسدة، وإن عطلها متصرف ثلاث سنين أو أكثر بحسب تفاوت الأرض: تنزع منه وتدفع لآخر، ولا يصح فراغ أحدهم عنها لآخر بلا إذن السلطان أو نائبه، كما في شرح الملتقى، وتمام الكلام على ذلك قد بسطناه في تنقيح الفتاوى الحامدية. قوله: (ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع الخ) هذا من كلام الفتح، وأقره في البحر.
قلت: لكن عدم ملك الزارع في الأراضي الشامية غير معلوم لنا، إلا في نحو القرى والمزارع الموقوفة أو المعلوم كونها لبيت المال، أما غيرها فنراهم يتوارثونها ويبيعونها جيلا بعد جيل. وفي شفعة الفتاوى الخيرية: سئل في أخوة لهم أراض مغروسة، ولرجل أرض مغروسة مجاورة لها، وطريق الكل واحد، باع الرجل أرضه هل لهم أخذها بالشفعة ولا يمنع من ذلك كونها خراجية؟
أجاب: نعم، لهم الاخذ بالشفعة، وكونها خراجية لا يمنع ذلك، إذ الخراج لا ينافي الملك. ففي التتارخانية وكثير من كتب المذهب: وأرض الخراج مملوكة، وكذلك أرض العشر يجوز بيعها وأيقافها، وتكون ميراثا كسائر أملاكه، فتثبت فيها الشفعة. وأما الأراضي التي حازها السلطان لبيت المال ويدفعها للناس مزارعة لا تباع فلا شفعة فيها، فإذا ادعى واضع اليد الذي تلقاها شراء أو إرثا أو غيرهما من أسباب الملك أنها ملكه، وأنه يؤدي خراجها، فالقول له أو على من يخاصمه في الملك البرهان إن صحت دعواه عليه شرعا، واستوفيت شروط الدعوى، وإنما ذكرت ذلك لكثرة وقوعه في بلدنا حرصا على نفع هذه الأمة بإفادة هذا الحكم الشرعي الذي يحتاج إليه كل حين، والله تعالى أعلم اه. ما في الخيرية.
ولا يخفى أنه كلام حسن جار على القواعد الفقهية، وقد قالوا: إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه، وفي رسالة الخراج لأبي يوسف:
وأيما قوم من أهل الخراج أو الحرب بادوا فلم يبق منهم أحد، وبقيت أرضهم معطلة، ولا يعرف أنها في يد أحد، ولا أن أحدا يدعي فيها دعوى، وأخذها رجل فحرثها وغرس فيها وأدى عنها الخراج أو العشر فهي له، وهذه الموات التي وصفت لك، وليس للامام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف اه. وقدمنا عنه أيضا أن أر ض العراق والشام ومصر عنوية خراجية تركت لأهلها الذين قهروا عليها. وفي شرح السير للسرخسي: فإن صالحوهم على أراضيهم، مثل أرض الشام مدائن وقرى، فلا ينبغي للمسلمين أن يأخذوا شيئا من دورهم وأراضيهم، ولا أن ينزلوا عليهم منازلهم، لأنهم أهل عهد وصلح اه. فإذا كانت مملوكة لأهلها فمن أين يقال إنها صارت لبيت المال باحتمال أن أهلها كلهم ماتوا بلا وارث؟ فإن هذا الاحتمال لا ينفي الملك الذي كان ثابتا،