قلت: لكن عبر في البحر: وعليه فالمراد بتصوره كونه ذا صورة: أي كونه موجودا، فالمراد إمكان وجوده في المستقبل: أي إمكانه عقلا وإن استحال عادة احترازا عما لا يمكن عقلا ولا عادة كما في المثال الآتي، فهذا لا تنعقد في اليمين ولا تبقى منعقدة، بخلاف ما أمكن وجوده عقلا وعادة أو عقلا فقط مع استحالته عادة كما في مسألة صعود السماء وقلب الحجر ذهبا فإنها تنعقد كما سيأتي. قوله: (في المستقبل) قيد لبيان الواقع، لان المنعقدة لا تتأتى في غيره. قوله: (شرط انعقاد اليمين) أي المطلقة أو المقيدة بوقت. قوله: (ولو بطلاق) تعميم لليمين: أي لا فرق بين اليمين بالله تعالى أو بطلاق. قوله: (وبقائها) أي شرط بقاء اليمين منعقدة، وهذا في اليمين المقيدة فقط، فإذا قال: والله لأوفينك حقك غدا فمات أحدهما قبل الغد بطلت اليمين، بخلاف المطلقة حيث لا يشترط لها تصور البر في البقاء باتفاق كما يأتي في قوله: وإن أطلق وكان فيه ماء فصب حنث. قوله: (إذ لا بد من تصور الأصل الخ) بيانه أن اليمين إنما تنعقد لتحقيق البر، فإن من أخبر بخبر أو وعد بوعد يؤكده باليمين لتحقيق الصدق فكان المقصود هو البر، فلا تجب الكفارة خلفا عنه لرفع حكم الحنث، وهو الاثم ليصير بالتكفير كالبار فإذ لم يكن البر منصورا لا تنعقد. فلا تجب الكفارة ملفا عنه لان الكفارة حكم اليمين، وحكم الشئ إنما يثبت بعد انعقاده كسائر العقود، وتمامه في شرح الجامع الكبير. ثم اعلم أن هذا الأصل وما فرع عليه قولهما. وقال أبو يوسف: لا يشترط تصور البر.
مطلب: حلف لا يشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه أو كان فيه ماء فصب قوله: (ففي حلفه الخ) في محل مفعول فرع.
وحاصل المسألة أربعة أوجه: لان اليمين إما مقيدة، أو مطلقة، وكل منهما على وجهين: إما أن لا يكون فيه ماء أصلا، أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب. ففي المقيدة لا يحنث في الوجهين لعدم انعقادها في الوجه الأول ولبطلانها عند الصب في الثاني، وفي المطلقة لا يحنث أيضا في الوجه الأول لعدم الانعقاد ويحنث في الثاني. قوله: (اليوم) أي مثلا، إذا المراد كل وقت معين من يوم أو جمعة أو شهر. قوله: (أو بنفسه) أي أو انصب بنفسه بلا فعل أحد. قوله: (قبل الليل) أشار إلى أن المراد باليوم بياض النهار فلا يدخل فيه الليل. قوله: (أو لا) صادق بما إذا علم عدم الماء فيه أو لم يعلم شيئا. وقصره الأسبيجابي على الثاني، لأنه إذا علم تقع يمينه على ما يخلقه الله تعالى فيه، وقد تحقق العدم فيحنث. وصحح الزيلعي الاطلاق، وبه جزم في الفتح فقوله في الأصح: قيد للتعميم في قوله: أو لا لكن فصل المصنف في قوله الآتي ليقتلن فلانا بين علمه بموته فيحنث، وبين عدمه فلا، ومثله في الكنى، فيحمل ما هنا على التفصيل الآتي فيقيد عدم حنثه بما إذا لم يعلم، لكن فرق الزيلعي هناك بأن حنثه إذا علم تكون يمينه عقدت على حياة ستحدث وهو متصور، أما هنا فلان ما يحدث في الكوز غير المحلوف عليه ا ه: أي لان المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف دون الحادث بعد.