وهذا بناء على مختار صاحب الهداية وشمس الأئمة في جواز تعميم المشترك في النفي، وكذا الجمع بين الحقيقة والمجاز في النفي، وهو خلاف المشهور في كتب الأصول كما بيناه في حواشينا على شرح المنار. قوله: (ولا يجوز الحفر له) لعله أخذ من قول الهداية وغيرها: إن الربط والامساك غير مشروع، وأما الحفر للمرأة فلكونه أستر لها.
قلت: وينبغي تقييده بما لو ثبت الحد بالاقرار ليكون متمكنا من الرجوع بالهرب، بخلاف ما لو ثبت بالبينة. تأمل. قوله: (ولا يربط الخ) إلا إذا امتنع كما مر. قوله: (ولا جمع بين جلد ورجم) للقطع بأنه لم يجمع بينهما (ص)، ولان الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم. فتح. قوله: (أي تغريب في البكر) أي في غير المحصن، وقوله عليه الصلاة والسلام: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام منسوخ كشطره الآخر، وقوله عليه الصلاة والسلام: والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة بحر.
وتمام تحقيقه في الفتح. قوله: (وفسره) أي فسر النفي المروي في حديث آخر كرواية البخاري من قول أبي هريرة: إن رسول الله (ص) قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد. قوله: (وهو أحسن الخ) فيه أنه مخالف لروايات التغريب، وقولهم: إن في النفي فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحي منه، ولقول علي: حسبهما من الفتنة أن ينفيا. وروى عبد الرزاق قال: غرب عمر رضي الله عنه ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعد مسلما، كما في الفتح، ولعل المراد أن فعل الحبس أحسن من فعل التغريب فليس المراد تفسير الوارد بذلك بقرينة التعليل، فتأمل. قوله: (لأنه يعود على موضوعه بالنقض) أي لان المقصود من إقامة الحد المنع عن الفساد وفي التغريب فتح باب الفساد كما علمت، ففيه نقض وإبطال للمقصود منه شرعا، فكأنه شبه المقصود الأصلي بالموضوع وهو محل العرض المختص به أو بموضوع العلم، وهو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الانسان لعلم الطب. تأمل.
مطلب: في الكلام على السياسة قوله: (إلا سياسة وتعزيرا) أي أنه ليس من الحد، ويؤيده ما قدمناه من حديث البخاري من عطف وإقامة حد على نفي عام كما أوضحه في الفتح. وفيه أيضا: لو غلب على ظن الإما مصلحة في التغريب تعزيرا فله أن يفعله، وهو محمل الواقع للنبي (ص)، وأصحابه كما غرب عمر نصر بن الحجاج لافتتان النساء بجماله، والجمال لا يوجب نفيا، وعلى هذا كثير من مشايخ السلوك المحققين رضي الله عنا بهم وحشرنا معهم يغربون المريد إذا بدا منه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين، مثل هذا المريد أو من هو قريب منه هو الذي ينبغي أن يقع عليه رأي القاضي في التغريب، أما من لم يستح وله حال تشهد عليه بغلبة النفس فنفيه يوسع طرق الفساد ويسهلها عليه اه.