فإن قلت: كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال، وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر؟.
قلت: لا بعد فيه، فإن الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة، ويخرجها في الصورة الصحيحة، وهذا معنى إبطال الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال وكونه معروفا بالاضلال اه. ابن كمال. قوله: (إن الخناق توبة له) أفاد بصيغة المبالغة أن من خنق مرة لا يقتل.
قال المصنف قبيل الجهاد: ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به، وإلا لا اه ط.
قلت: ذكر الخناق هنا استطرادي، لان الكلام في الكافر الذي لا تقبل توبته، والخناق غير كافر.
وإنما لا تقبل توبته لسعيه في الأرض بالفساد، ودفع ضرره عن العباد، ومثله قطاع الطرق.
مطلب في الكاهن والعراف قوله: (الكاهن قبل كالساحر) في الحديث من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الحاكم عن أبي هريرة. والكاهن كما في مختصر النهاية للسيوطي. من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الاسرار.
والعراف: المنجم. وقال الخطابي: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما اه.
والحاصل أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة، فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف، والرمال، والمنجم: وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه، والذي يضرب الحصى والذي يدعي أن له صاحبا من الجن يخبره عما سيكون، والكل مذموم شرعا، محكوم عليهم وعلى مصدقهم بالكفر. وفي البزازية: يكفر بادعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه.
وفي التتارخانية: يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي اه.
قلت: فعلى هذا أرباب التقاويم من أنواع الكاهن لادعائهم العلم بالحوادث الكائنة. وأما ما وقع لبعض الخواص كالأنبياء والأولياء بالوحي والإلهام فهو بإعلام من الله تعالى فليس مما نحن فيه اه. ملخصا من حاشية نوح من كتاب الصوم.
مطلب في دعوى علم الغيب قلت: وحاصله أن دعوى علم الغيب معارضة لنص القرآن فيكفر بها، إلا إذا أسند ذلك صريحا أو دلالة إلى سبب من الله تعالى كوحي أو إلهام، وكذا لو أسنده إلى أمارة عادية بجعل الله تعالى.
قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل: وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم، إذ هو قسمان: حسابي وإنه حق وقد نطق به الكتاب، قال تعالى: * (الشمس والقمر بحسبان) * (سورة الرحمن: الآية 5) أي سيرهما بحسبان. واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض، ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب بنفسه يكفر اه. وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من رسالتنا: سلي الحسام الهندي.
قوله: (الداعي إلى الالحاد) قدمنا عن ابن كمال بيانه. قوله: (والإباحي) أي الذي يعتقد إباحة المحرمات وهو معتقد الزنادقة. ففي فتاوى قارئ الهداية: الزنديق هو الذي يقول ببقاء الدهر