المصحف وقد يقال إن هذا مما يستوي في الانتفاع به الغني والفقير كما سيأتي من أن الوقف على ثلاثة أوجه منها ما يستوي فيه الفريقان كرباط وخان ومقابر وسقاية وعلله في الهداية بأن أهل العرف يريدون فيه التسوية بينهم ولأن الحاجة ذاعية وقال وهنا كذلك فإن واقف الكتب يقصد نفع الفريقين ولأنه ليس كل غني يجد كل كتاب يريده خصوصا وقت الحاجة إليه.
مطلب في نقل كتب الوقف من محلها قوله: (ففي جواز النقل تردد) الذي تحصل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها فإن وقفها على أهل ذلك الموضع لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم وظاهره أنه لا يحل لغيرهم الانتفاع بها وإن وقفها على طلبة العلم فلكل طالب الانتفاع بها في محلها وأما نقلها منه ففيه تردد ناشئ مما قدمه عن الخلاصة من حكاية القولين من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله قيل يقرأ فيه أي يختص بأهله المترددين إليه وقيل لا يختص به أي فيجوز نقله إلى غيره وقد علمت تقوية القول الأول بما مر عن القنية وبقي ما لو عمم الواقف بأن وقفه على طلبة العلم لكنه شرط أن لا يخرج من المسجد أو المدرسة كما هو العادة وقدمنا عند قوله ولا يرهن عن الأشباه أنه لو شرط أن لا يخرج إلا برهن لا يبعد وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي تبعا لما قاله السبكي ويؤيده ما قدمناه قبيل قوله والملك يزول عن الفتح من قوله إن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء وكذا سيأتي في فروع الفصل الأول أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به.
قلت: لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب كما هو العادة فلا يثبت به الشرط وقد أخبرني بعض قوام مدرسة أن واقفها كتب ذلك ليجعل حيلة لمنع إعارة من يخشى منه الضياع والله سبحانه أعلم.
مطلب يبدأ من غلة الوقف بعمارته قوله: (ويبدأ من غلته بعمارته) أي الصرف إلى المستحقين قال القهستاني العمارة بالكسر مصدر أو اسم ما يعمر به المكان بأن يصرف إلى الموقوف عليه حتى يبقى على ما كان عليه دون الزيادة إن لم يشترط ذلك ك ما في الزاهدي وغيره فلو كان الوقف شجرا يخاف هلاكه كان له أن يشتري من غلته قصيلا فيغرزه لأن الشجر يفسد على امتداد الزمان وكذا إذا كانت الأرض سبخة لا ينبت فيها شئ كان له أن يصلحها كما في المحيط اه.
مطلب دفع المرصد مقدم على الدفع للمستحقين ومثله في الخانية وغيرها ودخل في ذلك دفع المرصد الذي على الدار فإنه مقدم على الدفع للمستحقين كما في فتاوى تلميذ الشارح المرحوم الشيخ إسماعيل وهذه فائدة جليلة قل من تنبه لها فإن المرصدين على الوقف لضرورة تعميره فإذا وجد في الوقف مال ولو في كل سنة شئ حتى تتخلص رقبة الوقف ويصير يؤجر بأجرة مثله لزم الناظر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.