خلافه، وأن اشتراط التبري فيمن انتحل دينا آخر إنما هو شرط لاجراء أحكام الدنيا عليه، أما بالنسبة لاحكام الآخرة فيكفيه التلفظ بالشهادتين مخلصا، كما يدل عليه ما نذكره في إسلام العيسوية. قوله:
(لما مر) أي من أن العرض مستحب، ويكره تحريما عند من أوجبه. أفاده في شرح الملتقى ط.
قوله: (قيد بإسلام المرتد) أي في قوله: وإسلامه.
مطلب في أن الكفار خمسة أصناف، وما يشترط في إسلامهم قوله: (لان الكفار) أي بكفر أصلي والمرتد كفره عارض. قوله: (كالدهرية) بضم الدال نسبة إلى الدهر بفتحها، سموا بذلك لقولهم: * (وما يهلكنا إلا الدهر) * (سورة الجاثية: الآية 42) ح. قوله: (كالثنوية) وهم المجوس القائلون بإلهين أو كالمجوس كما في أنفع الوسائل ومقتضاه أنهم غيرهم، وهو الذي حققه ابن كمال باشا نقلا عن الآمدي مع مشاركة الكل في اعتقاد أن أصل العالم النور والظلمة: أي النور المسمى يزدان وشأنه خلق الخير. والظلمة المسماة أهر من وشأنها خلق الشر. قوله: (كالفلاسفة) أي قوم منهم كما في النهر، وإلا فجمهور الفلاسفة يثبتون الرسل على أبلغ وجه لقولهم بالايجاب اه ح. أي باللزوم والتوليد لا بالاختيار لانكارهم كونه تعالى مختارا، وينكرون كونها بنزول الملك من السماء وكثيرا مما علم بالضرورة مجئ الأنبياء كحشر الأجساد والجنة والنار.
والحاصل أنهم وإن أثبتوا الرسل لكن لا على الوجه الذي يثبته أهل الاسلام كما ذكره في شرح المسايرة فصار إثباتهم بمنزلة العدم، وعليه فيصح إطلاق الشارح. تأمل. قوله: (كالوثنية) فيه أن الوثنية لا ينكرون الصانع تعالى كما لا يخفى ح. قال في شرح السير: وعبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى، قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * (سورة الزخرف: الآية 78) ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية. قال تعالى: * (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * (سورة الصافات: الآية 53) اه. وهذا زاده في الدرر على ما في البدائع، وتبعه الشارح. والظاهر أن صاحب البدائع أدخله في الثنوية لأنهم جعلوا مع الله تعالى معبودا ثانيا وهو أصنامهم، فهم منكرون للوحدانية كالمجوس، وحكمهم في الاسلام واحد كما تعرفه. قوله: (كالعيسوية) هم قوم من اليهود ينسبون إلى عيسى الأصفهاني اليهودي ح.
قلت: وعبارة البدائع: وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة، لكنهم ينكرون عموم رسالة رسولنا (ص) وهم اليهود والنصارى. قال في النهر: وليس المراد كل النصارى بل طائفة منهم في العراق يقال لهم العيسوية، صرح بذلك في المحيط والخانية اه. قوله: (فيكتفي في الأولين الخ) عبارة البدائع: فإن كان من الصنف الأول أو الثاني فقال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، لان هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا، فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم، وكذلك إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله، لأنهم يمتنعون عن كل واحدة من كلمتي الشهادة، فكان الاتيان بواحدة منهما أيتهما كانت دلالة الايمان اه: أي ويلزم من الايمان بإحداهما الايمان بالأخرى، وهذا صريح في أن الثنوية ينكرون الرسالة فهم كالوثنية، فيكتفي في الكل بإحدى الكلمتين، وبه صرح