للسلطان صح وقفها وإن كانت من حق بيت المال لا يصح قال الشيخ قاسم إن من أقطعه السلطان أرضا من بيت المال ملك المنفعة بمقابلة ما أعد له فله إجارتها وتبطل بموته أو إخراجه من الإقطاع لأن للسلطان أن يخرجها منه اه. وإن وصلت الأرض إلى الواقف بالشراء من بيت المال بوجه مسوغ فإن وقفه صحيح لأنه ملكها ويراعي فيها شروطه سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما وما ذكره السيوطي من أنه لا يراعي فيها الشرائط إن كان سلطانا أو أميرا فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان من بيت المال أو بناء على أصل في مذهبه وإن كان الواقف لها السلطان من بيت المال من غير شراء فأفتى العلامة قاسم بأن الوقف صحيح أجاب به حين سئل عن وقف السلطان جقمق فإنه أرصد أرضا من بيت المال على مصالح مسجد وأفتى بأن سلطانا آخر لا يملك إبطاله اه. حاصل ما في الرسالة.
قلت: وما أفتى به العلامة قاسم مشكل لما تقدم من أنها إن كانت من حق بيت المال لا يصح وكذا ما سيذكره الشارح في فروع الفصل الآتي عن المبسوط من أن للسلطان مخالفة شرط الواقف إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع لأن أصلها لبيت المال أي فلم تكن وقفا حقيقة بل هي أرصاد أخرجها الإمام من بيت المال وعينها لمن يستحق منه من العلماء ونحوهم كما أوضحناه في باب العشر والخراج والجزية وقدمنا هناك أنه إذا لم يعلم شراؤه لها ولا عدمه فالظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأن شرطه الملك ولم يعلم ولا يلزم علمه من وقفه لها لأن الأصل بقاؤها لبيت المال كما يفيده المذكور عن المبسوط.
مطلب في أوقاف الملوك والأمراء ولهذا أفتى المولى أبو السعود بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو تؤول إليه اه. وأما ذكره في النهر هناك من قوله وإذا لم يعرف الحال في الشراء من بيت المال فالأصل هو الصحة فالظاهر أن معناها إذ علم الشراء ولكن لم يعلم حاله هل هو صحيح أم لا لعدم وجود شرطه لأنه لا يصح الشراء من بيت المال إلا إذا كان بالمسلمين حاجة كما مر هناك فيحمل على الأصل وهو الصحة فافهم ولعل مراد العلامة قاسم بقوله إن الوقف صحيح: أي لازم لا ينقص على وجه الأرصاد المقصود منه وصول المستحقين إلى حقوقهم ولم يرد حقيقة الوقف وقدمنا تمام ذلك هناك فراجعه قوله: (يجعلونها مشتراة صورة) أي بدون شرائطه المسوغة لعدم احتياج بيت المال إلى بيعها في هذه الدولة العثمانية أعز الله بها الإسلام والمسلمين ومقتضاه أنه لا يكون وقفا حقيقة بل هو إرصاد كما علمته مما حررناه آنفا فلم يكن مما جهل حال شرائه حتى يحمل على الصحة فافهم قوله (لمصلحة عمت) كالوقف على المسجد بخلافه على معين وأولاده فإنه لا يصح وإن جعل آخره للفقراء كما أوضحه العلامة عبد البر بن الشحنة ط قوله (ويؤجر) لأن بيت المال معد لمصالح المسلمين فإذا أبده على مصرفه الشرعي يثاب لا سيما إذا كان يخاف عليه أمراء الجور الذين يصرفونه في غير مصرفه الشرعي فيكون قد منع من يجئ منهم ويتصرف ذلك التصرف ذكره العلامة عبد البر ط ومفاده أنه إرصاد لا وقف حقيقة كما قدمناه.