مطلب: إذا علم أنه يقتل يجوز له أن يقاتل بشرط أن ينكي فيهم، وإلا فلا، بخلاف الامر بالمعروف قوله: (لم يلزمه القتال) يشير إلى أنه لو قاتل حتى قتل جاز، لكن ذكر في شرح السير أنه لا بأس أن يحمل الرجل وحده وإن ظن أنه يقتل إذا كان يصنع شيئا بقتل أو بجرح أو بهزم فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله (ص) يوم أحد ومدحهم على ذلك، فأما إذا علم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، لأنه لا يحصل بحملته شئ من إعزاز الدين، بخلاف نهي فسقة المسلمين عن منكر إذا علم أنهم لا يمتنعون بل يقتلونه، فإنه لا بأس بالاقدام، وإن رخص له السكوت لان المسلمين يعتقدون ما يأمرهم به فلا بد أن يكون فعله مؤثرا في باطنهم، بخلاف الكفار. قوله: (ويقبل خبر المستنفر) أي طالب النفر وهو الخروج للغزو. أفاده الشلبي، ويقبل خبر العبد فيه كما في شرح الملتقى ط. قوله: (لأنه خبر يشتهر في الحال) أي فلا يكون الوجوب مبنيا على خبر الفاسق فقط، أو المراد أن خوف الاشتهار قرينة على صدقه. تأمل. قوله: (وكره الجعل) بضم الجيم وهو ما يجعل للانسان في مقابلة شئ يفعله، والمراد هنا أن يكلف الامام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالكراع أي الخيل والسلاح وغير ذلك من النفقة والزاد. نهر. وعلل الكراهة في الهداية بقوله: لأنه يشبه الاجر ولا ضرورة إليه، لان مال بيت المال معد لنوائب المسلمين اه.
والثاني: يوجب ثبوت الكراهة على الامام فقط والأول يوجبها على الغازي، وعلى الإما كراهة تسببه في المكروه كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية لقول الفتح: إن حقيقة الاجر على الطاعة حرام فما يشبهه مكروه اه. قيل: إن هذا إنما يظهر على قول المتقدمين.
قلت: لا يخفى فساده بل هو على قول الكل، لان المتأخرين إنما أجازوا الاجر على أشياء خاصة نصوا عليها من الطاعات وهي: التعليم والاذان والإمامة لا على كل طاعة، وإلا لشمل نحو الصوم والصلاة، ولا قائل به كما نبهنا عليه غيره مرة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الإجارات، وأوضحناه في رسالتنا شفاء العليل وبل الغليل في أخذ الأجرة على الحتمات والتهاليل فافهم.
قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد تفسير الفئ بما ذكر من وجود شئ الخ، ونحوه في الذخيرة وغاية البيان، وقيد بقوله: هنا لان حقيقة الفئ كما في الفتح ما يؤخذ بغير قتال كالخراج والجزية. أما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة كما يأتي في الفصل الآتي، ولا تتقيد الكراهة بوجود الفئ فقط، وهو الحق كما في المنح والبحر. وقال لجواز الاستقراض من بقية الأنواع، ولذا لم يذكر الفئ في بعض المعتبرات، وإنما ذكر مال بيت المال اه. وسيأتي في آخر فصل الجزية بيان مصارف بيت المال، وتقدمت منظومة في باب العشر من كتاب الزكاة. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يوجد شئ في بيت المال لا يكره الجعل للضرورة. قوله: (لدفع الضرر الاعلى) وهو تعدي شر الكفار إلى المسلمين. فتح. قوله: (بالأدنى) وهو الجعل المذكور، فيلتزم الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
تنبيه: من قدر على الجهاد بنفسه وماله لزمه، ولا ينبغي له أخذ الجعل، ومن عجز عن