والاقرار، ثم قال: ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة، وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا، بل بالمواظبة على ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه فعلها (ص) زيادة، أو استقباحها، كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه اه.
قلت: ويظهر من هذا أن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، لأنه لو وقف على قصده لما احتاج إلى زيادة عدم الاخلال بما مر، لان قصد الاستخفاف مناف للتصديق. قوله: (فهو ككفر العناد) أي ككفر من صدق بقلبه وامتنع عن الاقرار بالشهادتين عنادا ومخالفة، فإنه أمارة على عدم التصديق، وإن قلنا: إن الاقرار ليس ركنا. قوله: (والكفر لغة الستر) ومنه سمي الفلاح كافرا، لأنه يستر البذر في الأرض، ومنه كفر النعمة وهو موجود في المعنى الشرعي لأنه ستر ما وجب إظهاره. قوله: (تكذيبه (ص)) المراد بالتكذيب عدم التصديق الذي مر:
أي عدم الاذعان والقبول، لما علم مجيئه به (ص) ضرورة: أي علما ضروريا لا يتوقف على نظر واستدلال،. وليس المراد التصريح بأنه كاذب في كذا، لان مجرد نسبة الكذب إليه (ص) كفر، وظاهر كلامه تخصيص الكفر بجحد الضروري فقط، مع أن الشرط عندنا ثبوته على وجه القطع وإن لم يكن ضروريا، بل قد يكون استخفافا من قول: أو فعل كما مر، ولذا ذكر في المسايرة أن ما ينفي الاستسلام أو يوجب التكذيب فهو كفر، فما ينفي الاستسلام كل ما قدمناه عن الحنفية: أي مما يدل على الاستخفاف، وما ذكر قبله من قتل نبي إذ الاستخفاف فيه أظهر، وما يوجب التكذيب جحد كل ما ثبت عن النبي (ص) ادعاؤه ضرورة، وأما ما لم يبلغ حد الضرورة كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت بإجماع المسلمين، فظاهر كلام الحنفية الإكفار بجحده، فإنهم لم يشرطوا سوى القطع في الثبوت، ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعا، لان مناط التكفير وهو التكذيب أو الاستخفاف عند ذلك يكون، أما إذا لم يعلم فلا، إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج اه.
مطلب في منكر الاجماع وهذا موافق لما قدمناه عنه من أنه يكفر بإنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، ومثله ما في نور العين عن شرح العمدة أطلق بعضهم أن مخالف الاجماع يكفر، والحق أن المسائل الاجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها، فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الاجماع اه. ثم نقل في نور العين عن رسالة الفاضل الشهير حسام جلبي من عظماء علماء السلطان سليم بن بايزيد خان ما نصه: إذا لم تكن الآية أو الخبر المتواتر قطعي الدلالة أو لم يكن الخبر متواترا، أو كان قطعيا لكن فيه شبهة، أو لم يكن الاجماع إجماع الجميع أو كان، ولم يكن إجماع الصحابة أو كان، ولم يكن إجماع جميع الصحابة، أو كان إجماع جميع الصحابة، ولم يكن قطعيا بأن لم يثبت بطريق التواتر، أو كان قطعيا لكن كان إجماعا سكوتيا، ففي كل من هذه الصور لا يكون الجحود كفرا، يظهر ذلك لمن نظر في كتب الأصول، فاحفظ هذا الأصل فإنه ينفعك في استخراج فروعه حتى تعرف منه صحة ما قيل، إنه يلزم الكفر في موضع كذا، ولا يلزم في موضع آخر اه.
تنبيه: في البحر والأصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر،