مطلب في الساحر والزنديق قوله: (والكافر بسبب اعتقاد السحر) في الفتح: السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم، واعتقاد إباحته كفر. وعن أصحابنا ومالك وأحمد: يكفر الساحر بتعلمه وفعله، سواء اعتقد الحرمة أو لا ويقتل، وفيه حديث مرفوع حد الساحر ضربة بالسيف يعني القتل. وعند الشافعي: لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته. وأما الكاهن، فقيل هو الساحر، وقيل هو العراف الذي يحدث ويتخرص، وقيل من له من الجن من يأتيه بالاخبار. وقال أصحابنا: إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، لا إن اعتقد أنه تخييل. وعند الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه: كفر. وعند أحمد حكمه كالساحر، في رواية يقتل، وفي رواية إن لم يتب، ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه. وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض، لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه.
وحاصله أنه اختار أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد مكفرا، وبه جزم في النهر، وتبعه الشارح، وأنه يقتل مطلقا إن عرف تعاطيه له، ويؤيده ما في الخانية: اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه. قالوا: هو مرتد ويقتل إن كان يعتقد لها أثرا ويعتقد التفريق من اللعبة لأنه كافر اه.
وفي نور العين عن المختارات: ساحر يسحر ويدعي الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته.
وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس. وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر. قال أبو حنيفة: الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه، والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء. وقيل يقتل الساحر المسلم لا الكتابي، والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد الاسلام. والسحر في نفسه، حق: أمر كائن إلا أنه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق، والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما اه.
والفرق بين الثلاثة: أن الأول مصرح بما هو كفر. والثاني لا يدري كيف يقول كما وقع التعبير به في الخانية لأنه جاحد، ويعلم منه أن الأول لا يستتاب: أي لا يمهل طلبا للتوبة لأنها لا تقبل منه في دفع القتل عنه بعد أخذه كما يأتي دفعا للضرر عن الناس كقطاع الطريق والخناق وإن كانوا مسلمين. وبه علم أن الثالث وإن كان لا يكفر لكنه يقتل أيضا للاشتراك في الضرر، وأن تقييد الشارح بكونه كافرا بسبب اعتقاد السحر غير قيد، بل يقتل ولو كان كافرا أصليا أو لم يكفر باعتقاده، نعم لما كان كلام المصنف في المسلم الذي ارتد قيد بذلك. وعلم به وبما نقلناه عن الخانية أنه لا يكفر بمجرد عمل السحر ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل فهو مكفر، ولذا نقل في تبيين المحارم عن الامام أبي منصور: أن القول بأنه كفر على الاطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته. فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر، وإلا فلا اه. والظاهر أن ما نقله في الفتح عن أصحابنا مبني على أن السحر لا يكون إلا إذا تضمن كفرا. ويأتي تحقيقه وقدمنا في خطبة الكتاب تعداد