مطلب: جملة من لا تقبل توبته والحاصل أنهم يصدق عليهم اسم الزنديق والمنافق والملحد. ولا يخفى أن إقرارهم بالشهادتين مع هذا الاعتقاد الخبيث لا يجعلهم في حكم المرتد لعدم التصديق، ولا يصح إسلام أحدهم ظاهرا إلا بشرط التبري عن جميع ما يخالف عن الاسلام، لأنهم يدعون الاسلام ويقرون بالشهادتين وبعد الظفر بهم لا تقبل توبتهم أصلا. وذكر في التتارخانية أنه سئل فقهاء سمرقند عن رجل يظهر الاسلام والايمان ثم أقر بأني كنت أعتقد مع ذلك مذهب القرامطة وأدعو إليه والآن تبت ورجعت وهو يظهر الآن ما كان يظهره قبل من الاسلام والايمان، قال أبو عبد الكريم ابن محمد: قتل القرامطة واستئصالهم فرض. وأمن هذا الرجل الواحد، فبعض مشايخنا قال: يتغفل ويقتل: أي تطلب غفلته في عرفا مذهبه. وقال بعضهم: يقتل بلا استغفال، لان من ظهر منه ذلك ودعا الناس لا يصدق فيما يدعي بعد من التوبة، ولو قبل منه ذلك لهدموا الاسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم، وأطال في ذلك، وتقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك، لكن تقدم اعتماد قبول التوبة قبل الاخذ لا بعده. قوله: (لكن في حظر الخانية أي في كتاب الحظر والإباحة منها والاستدراك على قول الفتح أولا: أي أو لم يعتقد تحريمه، وقدمنا أنه في الفتح نقل ذلك عن أصحابنا، وأنه اختار أنه لا يكفر ما لم يعتقد ما يوجب الكفر لكنه يقتل، ولعل ما نقله عن الأصحاب مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر، كما يفيده قوله تعالى: * (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) * (سورة البقرة: الآية 201) وعلى هذا فغير المكفر لا يسمى سحرا، ويؤيد ما قدمناه عن المختارات من أن المراد بالساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا من يعتقد الاسلام: أي بأن لم يفعل أو يعتقد ما ينافي الاسلام، ولذا قال هنا: ولا يعتقده، فقد علم أنه يسمى ساحرا ما لم يعتقد أو يفعل ما هو كفر، والله سبحانه أعلم.
مطلب: جملة من لا يقتل إذا ارتد قوله: (فالمستثنى أحد عشر) أي من قوله: وكل مسلم ارتد فتوبته مقبولة إلا أحد عشر: من تكررت ردته، وساب النبي (ص)، وساب أحد الشيخين، والساحر، والزنديق، والخناق، والكاهن، والملحد، والإباحي، والمنافق، ومنكر بعض الضروريات باطنا اه ط.
قلت: لكن الساحر لا يلزم أن يكون مرتدا بأن يكون مسلما أصليا فعلى ذلك فإنه يقتل ولو كافرا كما مر، والخناق غير كافر، وإنما يقتل لسعيه بالفساد كما قدمناه. وأما الزنديق الداعي والملحد وما بعده فيكفي فيه إظهاره للاسلام وإن كان كافرا أصليا، فعلم أن المراد بيان جملة من لا تقبل توبته سواء كان مسلما ارتد أولم يرتد، أو كان كافرا أصليا، وعليه فكان المناسب ذكر قطاع الطريق، وكذا أهل الأهواء كما مر عن التمهيد، وكذا العواني كما مر في باب التعزير، وكذا كل من وجب عليه حد زنا أو سرقة أو قذف أو شرب. وأما ذكر ساب النبي (ص) أو أحد الشيخين فقد علمت ما فيه. قوله: (المرأة) يستثنى منها المرتدة بالسحر كما مر، وهو الأصح كما في البحر.
قوله: (والخنثى) أي المشكل فإنه إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الاسلام. بحر عن التتارخانية.