مطلب: أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها قلت: لكن بقي ما إذا لم يعرف شراؤه لها ولا عدمه، والظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها، لأنه لا يلزم من وقفه لها أنه ملكها، ولهذا قال السيد الحموي في حاشية الأشباه قبيل قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام ما نصه: وقد أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها، لأنها من بيت المال أو ترجع إليه، وإذا كان كذلك يجوز الاحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال اه. ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك. ومثله ما سيذكره الشارح في الوقف عن المحبية عن المبسوط من: أن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع، لان أصلها لبيت المال اه: يعني إذا كانت لبيت المال، ولم يعلم ملك الواقف لها، فيكون ذلك إرصادا لا وقفا حقيقة: أي أن ذلك السلطان الذي وقفه أخرجه من بيت المال، وعينه لمستحقيه من العلماء والطلبة، ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال.
مطلب: على ما وقع للسلطان برقوق من إرادته نقض أوقاف بيت المال ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة: أن ينقض هذه الأوقاف لكونها أخذت من بيت المال، وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان ابن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية، فقال البلقيني: ما وقف على العلماء والطلية لا سبيل إلى نقضه، لان لهم في الخمس أكثر من ذلك، وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض، ووافقه على ذلك الحاضرون، كما ذكره السيوطي في النقل المستور (1) في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور. ثم رأيت نحوه في شرح الملتقى، ففي هذا صريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات، لا أوقاف حقيقة، وأن ما كان منها على مصاريف بيت المال لا ينقض، بخلاف ما وقفه السلطان على أولاد أو عتقائه مثلا، وأنه حيث كانت أرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقف صحيحا، فإن شرط صحته ملك الواقف، والسلطان بدون الشراء من بيت المال لا يملكه. وقد علمت موافقة العلامة الأكمل على ذلك، وهو موافق لما مر عن المبسوط، وعن المولى أبي السعود، ولما سيذكره الشارح في الوقف عن النهر: من أن وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت أرضا مواتا، أو ملكا للامام فأقطعها رجلا، وهذا خلاف ما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لأرض بيت المال صحيح.
قلت: ولعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة، كما نقل الطرسوسي عن قاضيخان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز.
قال ابن وهبان: لأنه إذا أبده على مصرفه الشرعي فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه اه. فقد أفاد أن المراد من هذا الوقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان مما هو مصلحة عامة، وهو معنى الأرصاد السابق، فلا ينافي ما تقدم، والله سبحانه أعلم.
قوله: (بإذن الامام قيد به لان الاحياء يتوقف على إذنه. ط عن المنح. قوله: (كما مر) أنه إذ قاتل