باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها تقدم أن الزنا يثبت بالاقرار والبينة، وقدم كيفية ثبوته بالأول، لان الثاني أندر نادر لضيق شروطه. وأيضا لم يثبت عنده (ص) ولا عند أصحابه بعده إلا بالاقرار كما في الفتح. قوله: (شهدوا بحد متقادم) أي بسبب حد لأنه المشهود به لا نفس الحد اه ح: أي ففي التعبير تساهل كما في الفتح. قوله: (للتهمة) لان الشاهد مخير بين أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالاقدام على الأداء بعده لعداوة حركته فيتهم فيها وإن كان لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع، بخلاف الاقرار لان الانسان لا يعادي نفسه. هداية. وأورد على قوله يصير فاسقا بأن ذلك لو كان الأداء واجبا، وليس كذلك، إلا أن يجاب بأن سقوط الوجوب لأجل الستر فإذا أدى لم يوجد موضع الرخصة المسقطة للوجوب. تأمل. قوله: (إذ فهي حق العبد الخ) أي وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى اه ح.
قال في الهداية: فحد الزنا والشرب والسرقة خالص حقه تعالى حتى يصح الرجوع عنها بعد الاقرار فيكون التقادم فيه مانعا. وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الاقرار، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، ولان الدعوى فيه شرط، فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم، بخلاف السرقة لان الدعوى ليست بشرط للحد لأنه خالص حقه تعالى على ما مر، وإنما تشترط للمال. هداية.
وحاصله أن في السرقة أمرين: الحد والمال، وإنما تشترط الدعوى للزوم المال لا للزوم الحد، ولذا ثبت المال بها بعد التقادم لأنه لا يبطل به، بخلاف الحد. قوله: (ويضمن المال الخ) عطف على قوله: لم تقبل قال في البحر: وقولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل، لأنه لا شهادة للمتهم ولو بالمال، إلا أن يقال: إنها غير محققة، وإنما الموجود الشبهة اه: أي إنما سقط الحد لاحتمال العداوة، وذلك غير محقق لكنه يصير شبهة يسقط بها الحد دون المال. قوله: (لأنه حق العبد) ولا تأخير الشهادة لتأخير الدعوى لا يوجب فسقا، وينبغي أنهم لو أخروا الشهادة لا لتأخير الدعوى أن لا تقبل في حق المال أيضا كما في الفتح. نهر.
قوله: (لانتفاء التهمة) لان الانسان لا يعادي نفسه كما مر. قوله: (إلا في الشرب) فإن التقادم فيه يبطل الاقرار عند أبي حنيفة وأبي يوسف. بحر عن غاية البيان. وأما عند محمد فلا يبطله، وسيجئ تصحيحه في بابه. قوله: (هو الأصح) اعلم أن التقادم عند الامام مفوض إلى رأي القاضي في كل عصر، لكن الأصح ما عن محمد أنه مقدر بشهر، وهو مروي عنهما أيضا. وقد اعتبره محمد في شرب الخمر أيضا. وعندهما: هو مقدر بزوال الرائحة، وجزم به في الكنز في بابه، فظاهره كغيره أنه المختار. فعلم أن الأصح اعتبار الشهر إلا في الشرب. بحر. وبه ظهر أن ما ذكره المصنف ليس قول محمد على إطلاقه، بل هو ماش على قولهما في الشرب، وعلى قول محمد في غيره، فافهم.