تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى ا ه.
قلت: وظاهر كلام الحلية أن قواعد مذهبنا لا تنافيه حيث ذكره وأقره، وعزا ذلك بعضهم إلى البدائع ولم أره فيها، ولو كان فيها لم ينقله في الحلية عن الشافعية، فافهم. والظاهر أن من الصورة الثانية ما لو صلى عند باب المسجد وقت إقامة الجماعة، لان للمار أن يمر على رقبته كما يأتي، وأنه لو صلى في أرضه مستقبلا لطريق العامة فهو من الصورة الثالثة، لان المار مأمور بالوقوف وإن لم يجد طريقا آخر كما يظهر من إطلاق الأحاديث ما لم يكن مضطرا إلى المرور، هذا إن كان المراد بالمندوحة إمكان الوقوف وإن لم يجد طريقا آخر، أما إن أريد بها تيسر طريق آخر أو إمكان مروره من خلف المصلي أو بعيدا منه وبعدمها عدم ذلك فحينئذ يقال: إن كان للمار مندوحة على هذا التفسير يكون ذلك من الصورة الثالثة أيضا، وإلا فمن الصورة الثانية، ويؤيد التفسير الأول قوله:
وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل وكذا تعليلهم كراهة الصلاة في طريق العامة بأن فيه منع الناس عن المرور، فإن مفاده أنه لا يجوز لهم المرور وإلا فلا منع، إلا أن يراد به المنع الحسي لا الشرعي، وهو الأظهر. وعليه فلو صلى في نفس طريق العامة لم تكن صلاته محترمة كمن صلى خلف فرجة الصف فلا يمنعون من المرور لتعديه، فيتأمل.
تنبيه: ذكر في حاشية المدني: لا يمنع المار داخل الكعبة وخلف المقام وحاشية المطاف، لما روى أحمد وأبو داود عن المطلب بن أبي وداعة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة وهو محمول على الطائفين فيما يظهر، لان الطواف صلاة، فصار كمن بين يديه صفوف من المصلين انتهى. ومثله في البحر العميق، وحكاه عز الدين بن جماعة عن مشكلات الآثار للطحاوي، ونقله الملة رحمه الله في منسكه الكبير، ونقله سنان أفندي أيضا في منسكه ا ه. وسيأتي إن شاء الله تعالى تأييد ذلك في باب الاحرام من كتاب الحج قوله: (لحديث البزار الخ) ذكر في الحلية أن الحديث في الصحيحين بلفظ لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر: أحد رواته لا أدري قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة. قال: وأخرجه البزار وقال:
أربعين خريفا وفي بعض روايات البخاري: ماذا عليه من الاثم ا ه. والخريف: السنة، سميت به باعتبار بعض الفصول قوله: (في ذلك) لفظ: في هنا للسببية قوله: (ولو ستارة ترتفع) أي تزول بحركة رأسه إذا سجد، وهذه الصورة ذكرها سعدي جلبي جوابا عن صاحب الهداية، حيث اختار أن الحد موضع السجود كما مشى عليه المصنف، فأورد عليه أنه مع الحائل كجدار أو أسطوانة لا يكره، والحائل لا يمكن أن يكون في موضع السجود. فأجاب سعدي جلبي لأنه يجوز أن يكون ستارة معلقة إذا ركع أو سجد يحركها رأس المصلي ويزيلها من موضع سجوده ثم تعود إذا قام أو قعد ا ه. وصورته: أن تكون الستارة من ثوب أو نحوه معلقة في سقف مثلا ثم يصلي قريبا منه، فإذا سجد تقع على ظهره ويكون سجوده خارجا عنها، وإذا قام أو قعد سبلت على الأرض وسترته.
تأمل قوله: (ولو كان فرجة الخ) كان تامة وفرجة فاعلها. قال في القنية: قام في آخر الصف في المسجد بينه وبين الصفوف مواضع خالية، فللداخل أن يمر بين يديه ليصل الصفوف لأنه أسقط حرمة نفسه فلا يأثم المار بين يديه، دل عليه ما ذكر في الفردوس برواية ابن عباس رضي الله تعالى