واقتصر عليه في الهداية واختاره الامام السرخسي وقال: إنه الأوجه: وقيل اشتباه حاله على من في يمينه ويساره. فعلى الأول يكره مطلقا، وعلى الثاني لا يكره عند عدم الاشتباه. وأيد الثاني في الفتح بأن امتياز الامام في المكان مطلوب، وتقدمه واجب وغايته اتفاق الملتين في ذلك، وارتضاه في الحلية وأيده، لكن نازعه في البحر بأن مقتضى ظاهر الرواية الكراهة مطلقا، وبأن امتياز الامام المطلوب حاصل بتقدمه بلا وقوف في مكان آخر، ولهذا قال في الولوالجية وغيرها: إذا لم يضق المسجد بمن خلف الامام لا ينبغي له ذلك لأنه يشبه تباين المكانين انتهى. يعني: وحقيقة اختلاف المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة، والمحراب وإن كان من المسجد فصورته وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف ا ه ملخصا.
قلت: أي لان المحراب إنما بني علامة لمحل قيام الامام ليكون قيامه وسط الصف كما هو السنة، لا لان يقوم في داخله، فهو وإن كان من بقاع المسجد لكن أشبه مكانا آخر فأورث الكراهة، ولا يخفى حسن هذا الكلام، فافهم، لكن تقدم أن التشبه إنما يكره في المذموم وفيما قصد به التشبه لا مطلقا، ولعل هذا من المذموم. تأمل. هذا وفي حاشية البحر للرملي: الذي يظهر من كلامهم أنها كراهة تنزيه. تأمل ا ه.
تنبيه: في معراج الدراية من باب الإمامة: الأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره للامام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية المسجد أو إلى سارية، لأنه بخلاف عمل الأمة ا ه. وفيه أيضا: السنة أن يقوم الامام إزاء وسط الصف، ألا ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عينت لمقام الامام ا ه. وفي التاترخانية: ويكره أن يقوم في غير المحراب إلا لضرورة ا ه. ومقتضاه أن الامام لو ترك المحراب وقام في غيره يكر ولو كان قيامه وسط الصف، لأنه خلاف عمل الأمة، وهو ظاهر في الامام الراتب دون غيره والمنفرد، فاغتنم هذه الفائدة فإنه وقع السؤال عنها ولم يوجد نص فيها. قوله: (للنهي) وهو ما أخرجه الحاكم أنه (ص) نهى أن يقوم الامام فوق ويبقى الناس خلفه وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب، فإنهم يتخذون لامامهم دكانا. بحر. وهذا التعليل يقضي أنها تنزيهية، والحديث يقتضي أنها تحريمية، إلا أن يوجد صارف. تأمل رملي.
قلت: لعل الصارف تعليل النهي بما ذكر. تأمل. قوله: (وقيل الخ) هو ظاهر الرواية كما في البدائع. قال في البحر: والحاصل أن التصحيح قد اختلف، والأولى العمل بظاهر الرواية وإطلاق الحديث ا ه. وكذا رجحه في الحلية. قوله: (في الأصح) وهو ظاهر الرواية، لأنه وإن لم يكن فيه تشبه بأهل الكتاب لكن فيه ازدراء بالامام حيث ارتفع كل الجماعة فوقه، أفاده في شرح المنية، وكأن الشارح أخذ التصحيح تبعا للدرر من قول البدائع: جواب ظاهر الرواية أقرب إلى الصواب، ومقابله قول الطحاوي بعدم الكراهة لعدم التشبه، ومشى عليه في الخانية قائلا: وعليه عامة المشايخ قال ط: ولعل الكراهة تنزيهية لان النهي ورد في الأول فقط. قوله: (وهذا كله) أي الكراهة في المسائل الثلاث لا كما يتوهم من ظاهر كلام المصنف من قوله: عند عدم العذر قيد لقوله وكره عكسه فقط فافهم. قوله: (كجمعة وعيد) مثال للعذر، وهو على تقدير مضاف: أي كزحمة جمعة وعيد. قوله: (فلو قاموا الخ) تفريع على عدم الكراهة عند العذر في جمعة وعيد. قال في المعراج: