ثم اعلم أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فأكثر يكون فاصلا بين الدمين في الحيض اتفاقا، فما بلغ من كل من الدمين نصابا جعل حيضا، وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلا، وإن كان أكثر من الدمين اتفاقا.
واختلفوا فيما بين ذلك على ستة أقوال كلها رويت عن الامام، أشهرها ثلاثة:
الأولى: قول أبي يوسف: إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل، بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل، فيجوز بداية الحيض بالطهر وختمه به أيضا، فلو رأت مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة الأولى حيض، ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض، إن كانت عادتها وإلا ردت إلى أيام عادتها.
الثانية: أن الشرط إحاطة الدم لطرفي مدة الحيض، فلا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به، فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشر حيض، ولو رأت معتادة قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شئ منه حيضا، وكذا النفاس على هذا الاعتبار.
الثالثة: قول محمد: إن الشرط أن يكون الطهر مثل الدمين أو أقل في مدة الحيض، فلو كان أكثر فصل، لكن ينظر إن كان في كل من الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فالسابق حيض، ولو في أحدهما فهو الحيض والآخر استحاضة، وإلا فالكل استحاضة. ولا يجوز بدء الحيض بالطهر ولا ختمه به، فلو رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض، لان الطهر المتخلل دون ثلاث وهو لا يفصل اتفاقا كما مر، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة حيض للاستواء، ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا والمتقدم أمكن جعله حيضا. هذا خلاصة ما في شروح الهداية وغيرها. وقد صحح قول محمد في المبسوط والمحيط، وعليه الفتوى. وفي الهداية: الاخذ بقول أبي يوسف أيسر ا ه. وكثير من المتأخرين أفتوا به لأنه أسهل على المفتي والمستفتي. سراج. وهو الأولى. فتح. وهو قول أبي حنيفة الآخر.
نهاية. وأما الرواية الثانية، ففي البحر قد اختارها أصحاب المتون، لكن لم تصحح في الشروح.
تتمة: الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يفصل عند أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي، وعليه الفتوى. وعندهما الخمسة عشر تفصل، فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما، فعنده الأربعون نفاس، وعندهما الدم الأول، ولو رأت من بلغت بالحبل بعد الولادة خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم، فعنده نفاسها خمسة وعشرون، وعندهما نفاسها الخمسة الأولى وحيضها الخمسة الثانية، وتمامه في التاترخانيه. قوله: (فيها) أي في مدة الحيض. قوله:
(حيض) خبر المبتدأ وهو قوله: وما تراه. قوله: (وعليه المتون) أي على أن الشرط في جعل الطهر المتخلل بين الدمين حيضا كون الدمين المحيطين في مدة الحيض لا في مدة الطهر. قوله:
(فليحفظ) أشار إلى أن اختيار أصحاب المتون له ترجيح.
أقول: لكنه تصحيح التزامي، وقد صرح العلامة قاسم بأن التصحيح مقدم على الالتزامي.