الموصول بصلته انسحب عليه حكم الخطاب، ولهذا قيل: قمتم. ومن زعم أنه من باب الالتفات لان آمنوا مغايبة وقمتم مواجهة فقدسها اه. ولا يخفي أنه فيما نحن فيه لم يتم الموصول بصلته: أي، لم يأت الضمير بعد تمام الصلة، فدعوى الالتفات فيه صحيحة. قوله: (شرحت صدورنا) أصل الشرح بسط اللحم ونحوه، منه شرح الصدر: أي، بسطه بنور إلهي. وقيل معناه التوسعة مطلقا، ويقابله الضيق، لقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه) [الانعام: 125] الآية، وفسر في آية - (آلم نشرح) - بتوسعته بما أودع فيه من العلم والحكمة، وخص الصدور لأنها ظروف القلوب الملوك على سائر الجوارح، لأنها محل العقل كما يأتي في باب خيار العيب، أو المراد بها القلوب، واتساعها كناية عن كثرة ما يدخل فيها من الحكم الإلهية والمعارف الربانية. قوله: (بأنواع الهداية) قال البيضاوي في تفسيره: الهداية دلالة بلطف ولذا تستعمل في الخير، وقوله تعالى (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) [الصافات: 23] على التهكم، وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عدد، لكنها تنحصر في أجناس مترتبة: الأولى، إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحة كالقوة العاقلة والحواس الباطنة والمشاعرة الظاهرة. والثاني، نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد. والثالث، الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
والرابع، أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الالهام والمنامات الصادقة، وهذا مختص بالأنبياء والأولياء اه. ملخصا. قوله: (سابقا) حال من مصدر شرحت، أي، جعلت صدورنا قابلة للخيرات حال كون الشرح سابقا أو صفة لذلك المصدر اه.
أقول: أو صفة لزمان: أي، زمانا سابقا فهو منصوب على الظرفية: أي، حين أخذ الميثاق أو حين ولدنا على الفطرة أو عقلنا الدين الحق واخترنا البقاء عليه. وقوله: (ونورت بصائرنا) النور كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها، والضياء أقوى منه وأتم، ولذلك أضيف إلى الشمس في قوله تعالى:
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) [يونس: 5] وقد يفرق بينهما بأن الضياء ضوء ذاتي، والنور ضوء عارض وقد يقال: ينبغي أن يكون النور أقوى على الاطلاق، لقوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض) وإنما يتجه إذا لم يكن معناه في الآية المنور، وقد حمله أهل التفسير على ذلك اه. حسن جلبي على المطول. والبصائر، جمع بصيرة، وهي قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء بمثابة البصر للنفس كما في تعريفات السيد. قوله: (بتنوير الابصار) الباء للسببية، فإن الانسان بنور بصره ينطر إلى عجائب المصنوعات لله تعالى وإلى الكتب النافعة، وغير ذلك مما يكون سببا في العادة لتنوير البصيرة باكتساب المعارف. قوله (لاحقا) الكلام فيه كالكلام في سابقا، إنما كان تنوير البصائر لاحقا: أي، متأخرا عن شرح الصدور، لان شرحها بالاهتداء إلى الاسلام كما يشير إليه قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه) الآية: وهذا سابق عادة على تنوير البصائر بما ذكرناه وقال الخطائي في حاشية المختصر: قد شرح الصدر على تنوير القلب، لان الصدر وعاء القلب، وشرحه مقدم لدخول النور في القلب. قوله: (وأفضت) يقال أفاض الماء على نفسه: أي، أفرغه. قاموس: (من أشعة) جمع شعاع بالضم: وهو ما تراه من الشمس كأنه الحبال مقبلة