قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ بها عملا بالأحاديث الواردة في ذلك، والاشكال في تعارض روايات الإبتدأ بالبسملة والحمدلة، وكذا التوفيق بينهما بحمل الإبتدأ على العرفي أو الإضافي، وكذا ما أورد من الاذان ونحوه مما لم يبدأ بهما فيه. والجواب عنه بأن المراد في الروايات كلها ابتدأ بإحدهما أو بما يقوم مقامه، أو بحمل المقيد على المطلق، وهو رواية (بذكر الله) عند من جوز ذلك، ثم الباء لفظ خاص حقيقة في الالصاق مجاز في غيره من المعاني لا مشترك بينها لترجح المجاز على الاشتراك موضوع بالوضع العام للموضوع له الخاص عند العضد وغيره، أي لكل واحد من المشخصات الجزئية الملحوظة بأمر كلي، وهو مطلق الالصاق بحيث لا يفهم منه إلا واحد بخصوصه. والالصاق، تعليق شئ بشئ وإيصاله به، فيصدق بالاستعانة والسببية لإلصاقك الكتابة بالقلم وبسببه كما في التحرير.
ولما كان مدلول معنى حاصلا في عيره لا يتعلق ذهنا ولا خارجا إلا بمتعلقه اشترط له المتعلق المعنوي وهو الالصاق، والنحوي وهو هنا ما جعلت التسمية مبدأ له، فيفيد تلبس الفاعل بالفعل حال الالصاق، والمراد الالصاق على سبيل التبرك والاستعانة. والأولى تقدير المتعلق مؤخرا ليفيد قصد الاهتمام باسمه تعالى، ردا على المشترك المبتدئ باسم آلهته اهتماما بها لا للاختصاص لان المشرك لا ينفي التبرك باسمه تعالى، وليفيد اختصاص ذلك باسمه تعالى ردا على المشرك أيضا وإظهارا للتوحيد، فيكون قصر إفراد، وإنما قدم في قوله تعالى: (أقرأ باسم ربك) لان العناية بالقراءة أولى بالاعتبار، ليحصل ما هو المقصود من طلب أصل القراءة، إذ لو أخر لأفاد أن المطلوب كون القراءة مفتتحة باسم الله تعالى لا باسم غيره، ثم هذه الجملة خبرية لفظا، وهل هي كذلك معنى أو إنشائية معنى؟ ظاهر كلام السيد الثاني، والمقصود إظهار إنشاء التبرك باسمه تعالى وحده ردا على المخالف إما على طريق النقل الشرعي كبعت واشتريت، أو على إرادة اللازم ك (رب اني وضعتها أنثى) [آل عمران: 36] فإن المقصود بها إظهار التحسر لا الاخبار بمضمونها، وهل تخرج بذلك الجملة الخبرية عن الاخبار أو لا؟ ذهب الزمخشري إلى الأول، وعبد القاهر إلى الثاني، وسيأتي في الحمدلة لذلك مزيد بيان. وأورد أنها لو كانت إنشائية لما تحقق مدلولها خارجا بدونها، والتالي باطل فالمقدم مثله، إذ السفر والاكل ونحوهما مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة، وأجيب، بأنها إذا كانت لانشاء إظهار التبرك أو الاستعانة باسمه تعالى وحده على ما قلنا فلا شك أنه إنما تحقق بها، كما أن إظهار التحزن والتحسر إنما تحقق بذلك اللفظ، فإن الانشاء قسمان: منه ما لا يتحقق مدلوله الوضعي بدون لفظه،. منه ما لا يتحقق مدلوله الالتزامي بدونه، وما نحن فيه من قبيل الثاني ثم إن المراد بالاسم هنا، ما قابل الكنية واللقب، فيشمل الصفات حقيقة، أو إضافية أو سلبية، فيدل على أن التبرك والاستعانة بجميع أسمائه تعالى.