قال شيخه الشيخ خير الدين الرملي في إجازته له: وقد بدأني بلطائف أسئلة وقفت بها على كمال روايته وسعة ملكته، فأجبته غير موسع عليه، فكرر على ما هو أعلى فزدته فزاد، فرأيت جواد رهانه في غاية الممكنة والسبق، فبعدت له الغاية فأتاها مستريحا لا يخفق، مستبصرا لا يطرق، فلما تبين لي أنه الرجل الذي حدثت عنه وصلت به إلى حالة يأخذ مني وآخذ منه، إلى أن قال في شأنه:
فيا من له شك فدونك فاسأل * تجد جبلا في العلم غير مخلخل يباري فحول الفقه فيما يرونه * ويبرز للميدان غير مزلزل يقشر عن لب معلوم قشوره * ويأتي بما يختاره من مفصل ويقوى على الترجيح فيه بثاقب * من الفهم والإدراك غير محول وفكر إذا ما حاول الصخر قله * وإن رمت حل الصعب في الحال ينجلي وما قلت هذا القول إلا بعيد ما * سبرت خباياه بأفحم مقول وقال شيخه العلامة محمد أفندي المحاسني في إجازته له أيضا: وإنه ممن نشأ والفضائل تعله وتنهله، والرغبة في العلم تقرب له ما يحاوله من ذلك وتسهله، حتى نال من قداح الكمال القدح المعلى، وفاز بما وشح به صدر النباهة وحلى، وكان لي على الغوص على غرر الفوائد أعظم معين، فأقاد واستفاد، وفهم وأجاد اه. وترجمة تلميذه خاتمة البلغاء المحبي في تاريخه فقال ما ملخصه: إنه كان عالما محدثا فقيها نحويا، كثير الحفظ والمرويات، طلق اللسان، فصيح العبارة جيد التقرير والتحرير، وتوفي عاشر شوال سنة 1088 عن ثلاث وستين سنة، ودفن بمقبرة باب الصغير. قوله (الحصكفي) كذا يوجد في بعض النسخ، وهو بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الكاف وفي آخره فاء، وياء النسبة إلى حصن كيفا، وهو من ديار بكر. قال في المشترك:
وحصن كيفا على دجلة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين، وكان القياس أن ينسبوا إليه الحصني وقد نسبوا إليه أيضا كذلك، ولكن إذا نسبوا إلى اسمين أضيف أحدهما إلى الاخر ركبوا من مجموع الاسمين اسما واحدا ونسبوا إليه كما فعلوا هنا، وكذلك نسبوا إلى رأس عين راسعيني وإلى عبد الله وعبد شمس وعبد الدار عبدلي وعبشمي وعبدري، وكذلك كل ما كان نظير هذا. ذكره المحبي في تاريخه في ترجمة إبراهيم بن الملة. قوله: (بجامع بني أمية) متعلق بالامام والباء بمعنى في ط. وقد بناه الوليد بن عبد الملك الأموي، نقل أنه أنفق عليه ألف دينار ومائتي ألف دينار، وفيه رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، وفي حائطه القبلي مقام هود عليه السلام، ويقال إنه أول من بنى جدرانه الأربع وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: (والتين...) أنه مسجد دمشق، وكان بستانا لنبي الله هود عليه السلام، وأنه كان فيه شجر التين قبل أن يبنيه الوليد اه. فهو المعبد القديم الذي تشرف بالأنبياء عليهم السلام، وصلى فيه الصحابة الكرام.
وقد صرح الفقهاء بأن الأفضل بعد المساجد الثلاثة ما كان أقدم، بل ذكر في كتاب أخبار الدول بالسند إلى سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة، وهو، ولله الحمد إلى وقتنا هذا معمور بالعبادة ومجمع للعلم والإفادة ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى إلى أن يهبط