من عطف الانشاء على الانشاء لفظا أو معنى وحذف معموله لدلالة ما قبله عليه: أي وسلم عليه، ومصدره التسليم، واسم مصدره السلامة، ومعناه: السلامة من كل مكروه. قال الحموي: وجمع بينهما خروجا من خلاف من كره إفراد أحدهما عن الاخر، وإن عندنا لا يكره كما صرح به في منية المفتي، وهذا الخلاف في حق نبينا (ص) وأما غيره من الأنبياء فلا خلاف فيه، ومن ادعاه فعليه أن يورد نقلا صريحا، ولا يجد إليه سبيلا. كذا في شرحه العلامة ميرك على الشمائل اه. أقول: وجزم العلامة ابن أمير حاج في شرحه على التحرير بعدم صحة القول بكراهة الافراد، واستدل عليه في شرحه المسمى [حلبة المجلي في شرح منية المصلى] بما في سنن النسائي بسند صحيح في حديث القنوت (وصلى الله على النبي) ثم قال: مع أن في قوله تعالى: (وسلام على المرسلين) [الصافات: 181] (وسلام على عباده الذين اصطفى) [النمل: 59] إلى غير ذلك أسوة حسنة اه. وممن رد القول بالكراهة العلامة ملا على القاري في شرح الجزرية، فراجعه. قوله:
(وعلى آله) اختلف في المراد بهم في مثل هذا الموضع، فالأكثرون أنهم قرابته (ص) الذين حرمت عليهم الصدقة على الاختلاف فيهم. وقيل: جمع أمة الإجابة، وإليه مال مالك، واختاره الأزهري والنووي في شرح مسلم. وقيل غير ذلك. شرح التحرير. وذكر القهستاني أن الثاني مختار المحققين. قوله: (وصحبه) جمع صاحب، وقيل اسم جمع له. قال في شرح التحرير: والصحابي عند المحدثين وبعض الأصوليين: من لقى النبي (ص) مسلما ومات على الاسلام، أو قبل النبؤة ومات قبلها على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل، أو ارتد وعاد في حياته. وعند جمهور الأصوليين: من طالت صحبته متبعا له مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في الأصح اه. وظاهره، أن من ارتد ثم أسلم تعود صحبته وإن لم يلقه بعد الاسلام، وهذا ظاهر على مذهب الشافعي من أن المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الردة. أما عندنا فبمجرد الردة يحبط العمل. والصحبة من أشرف الأعمال، لكنهم قالوا، إنه بالاسلام تعود أعماله مجردة عن الثواب ولذا، لا يجب عليه قضاؤه سوى عبادة بقي سببها كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها.
وعلى هذا فقد يقال: تعود صحبته مجردة عن الثواب، وقد يقال: إن أسلم في حياة النبي (ص) لا تعود صحبته ما لم يلقه لبقاء سببها، فتأمل. قوله: (الذين حازوا) أي جمعوا. قوله: (من منح الخ) فيه صناعة التوجيه حيث ذكر أسماء الكتب وهي: المنح للمصنف، والفتح شرح الهداية للمحقق ابن الهمام والكشف شرح المنار للنفسفي، والفيض للكركي والوافي متن الكافي (1) للنفسفي، والحقائق شرح منظومة النسفي. وفيه حسن الابهام بذكر ما له معنى قريب ومعنى بعيد، وأراد المعنى بعيد وهو المعاني اللغوية هنا دون الاصطلاحية لأهل المذهب: أي، حازروا عن عطايا فتح باب كشف: أي، إظهار فيض: أي كثير، فضلك: إي، إنعامك، الوافي: أي، التام، حقائقا: أي أمورا محققة، وبهذه اللطافة يغتفر ما فيه من تتابع الإضافات الذي عد مخلا بالفصاحة، إلا إذا لم يثقل على اللسان فإنه يزيد الكلام ملاحة ولطافة، فيكون من أنواع البديع، ويسمى الاطراد كقوله تعالى (ذكر رحمة ربك) وقوله تعالى كدأب آل فرعون).