والشكر لغة: يرادف الحمد عرفا. وعرفا: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله، وخرج بالاختيار المدح، فإنه أعم من الحمد لانفراده في مدحت زيدا على رشاقه قده، واللؤلؤة على صفاتها، فبينها عموم مطلق.
وذهب الزمخشري إلى ترادفهما لاشتراطه في الممدوح عليه أن يكون اختياريا كالمحمود عليه، ونقض التعريف جمعا بخروج حمد الله تعالى على صفاته. أجيب بأن الذات لما كانت كافية في اقتضاء تلك الصفات جعلت بمنزلة الأفعال الاختيارية، وبأنه لما كانت تلك الصفات مبدأ لافعال اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الأفعال، فالمحمود عليه اختياري باعتبار المآل، أو أن الحمد عليها مجاز عن المدح.
ثم إن المحمود عليه وبه قد يتغايران ذاتا كما هنا، أو اعتبارا كما إذا وصف الشجاع بشجاعته، فهي محمود به من حيث إن الوصف كان بها، ومحمود عليه من حيث إنها كانت باعثة على الحمد.
والحمد حيث أطلق ينصرف إلى العرفي لما قاله السيد في الحواشي المطالع: اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفي: مجاز في غيره.
وعند محققي الصوفية حقيقة الحمد إظهار صفات الكمال، وهو بالفعل أقوى منه بالقول، لان دلالة الافعال عقلية لا يتصور فيها التخلف، ودلالة الأقوال وضعية يتصور فيها ذلك، ومن هذا القبيل حمد الله تعالى وثناؤه على ذاته، فإنه بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصي، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى، فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات، ومن قال عليه الصلاة والسلام (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ثم أن الحمد مصدر يصح أن يراد به معني المبني للفاعل: أي، الحامدية، أو المبني للمفعول: أي، المحمودية، أو المعني المصدري أو الحاصل بالمصدر.
وعلى كل فإن في قولنا الحمد الله: إما للجنس، أو للاستغراق أو للعهد الذهني: أي، الفرد الكامل المعهود ذهنا، وهو الحمد القديم، فهي اثنتا عشرة صورة، واختار في الكشاف الجنس لان الصيغة بجوهرها تدل على اختصاص جنس المحامد به تعالى، ويلزم منه اختصاص كل فرد، إذ لو خرج فرد منها لخرج الجنس تبعا له لتحققه في كل فرد، فيكون اختصاص جميع الافراد ثابتا بطريق برهاني وهو أقوى من إثباته ابتداء، فلا حاجة في تأدية المقصود وهو ثبوت الحمد له تعالى وانتفاؤه عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والإحاطة. واختار غيره الاستغراق، لان الحكم على الحقيقة بدون اعتبار الافراد قليل في الشرع، وعلى كل فالحصر الدعائي محمول على المبالغة تنزيلا لحمد غيره تعالى منزلة العدم، أو الحقيقي باعتبار أنه راجع إليه لتمكينه تعالى وإقدار العبد عليه.
وقد يقال، إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة، فيكون من باب - ذلك الكتاب - والحاتم: الجواد. وهل هذا الحصر بطريق المفهوم أو المنطوق؟ قيل بالمنطوق. ورد بأن أل تدل على العموم والشمول، فليس النفي جزء مفهومها وإن كان لازما، وقيل بالمفهوم لما ذكر. وقيل: لا تفيد الحصر ونسب للحنيفة. وضعفه في التحرير يأن كلامهم مشحون