والله أعلم على الذات العلية المستجمعة للصفات الحميدة كما قاله السعد وغيره، أو المخصوصة: أي، بلا اعتبار صفة أصلا كما قاله العصام. قال السيد الشريف: كما تاهت العقول في ذاته وصفاته لاحتجابها بنور العظمة تحيرت أيضا في اللفظة الدالة على الذات، كأنه انعكس إليها من تلك الأنوار أشعة فبهرت أعين المستبصرين، فاختلفوا أسرياني هو أم عربي؟ اسم أو صفة؟
مشتق (1) أو علم أو غير علم؟ والجمهور على أنه عربي علم مرتجل من غير اعتبار أصل منه، ومنهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي والخليل. وروي هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء وأكثر العارفين، حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به كما في شرح التحرير لابن أمير حاج.
والرحمن لفظ عربي، وقيل معرب عن رخمان بالخاء المعجمة لانكار العرب حين سمعوه. ورد بأن إنكارهم له لتوهمهم أنه غيره تعالى في قوله تعالى: (قل ادعوا الله ادعوا الرحمن) [الاسراء:
110] وذهب الأعلم إلى أنه علم كالجلالة لاختصاصه به تعالى وعدم إطلاقه على غيره تعالى معرفا ومنكرا، وأما قوله في مسيلمة:
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن تعنته وغلوه في الكفر واختاره في المغني.
قال السبكي: والحق أن المنع شرعي لا لغوي، وأن المخصوص به تعالى المعرف.
والجمهور على أنه صفة مشبهة، وقيل صيغة مبالغة، لان الزيادة في اللفظ لا تكون إلا لزيادة على زيادته وإلا كانت عبثا، وقد زيد فيه حرف على الرحيم وهو يفيد المبالغة بصيغته، فدلت زيادته على زيادته عليه في المعني كما، لان الرحمانية تعم المؤمن والكافر، والرحيمية تخص المؤمن، أو كيفا، لان الرحمن المنعم بجلائل النعم، والرحيم المنعم بدقائقها. والظاهر أن الوصف بهما للمدح، فيه إشارة إلى لمية الحكم، أي، إنما افتتح كتابه باسمه تعالى متبركا مستعينا به لأنه المفيض للنعم كلها، وكل من شأنه ذلك لا يفتتح إلا باسمه. وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الانعام أو عن إرادته، لأنها من الاعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها؟ المشهور الثاني. والتحقيق الأول لا الرحمة التي هي من الاعراض هي القائمة بنا، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى تكون مجازا كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات معانيها القائمة بنا من الاعراض، ولم يقل أحد إنها في حقه تعالى مجاز، وتمام تحقيقه مع فوائد أخر في حواشينا على شرح المنار للشارح.
قوله: (حمدا) مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبا. والحمد لغة: الوصف بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل. وعرفا: فعل ينبئ عن تعظم المنعم بسبب إنعامه، فالأول أخص موردا إذ الوصف لا يكون إلا باللسان، وأعم متعلقا لأنه قد يكون لا بمقابلة نعمة، والثاني بعكسه، فبينها عموم وجهي.